للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ يَقْرَأُ بِلُغَتِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ. أَعْرَبَ بَيَّنَ، وَمِنْهُ الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا. (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أَيْ لِكَيْ تَعْلَمُوا مَعَانِيَهُ، وَتَفْهَمُوا مَا فِيهِ. وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَأْتِي بِأَنْ مَعَ" لَعَلَّ" تَشْبِيهًا بِعَسَى. وَاللَّامُ فِي" لَعَلَّ" زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ «١»:

يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَوْ عَسَاكَا

وَقِيلَ:" لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" أَيْ لِتَكُونُوا عَلَى رَجَاءٍ مِنْ تَدَبُّرِهِ، فَيَعُودُ مَعْنَى الشَّكِّ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى الْكِتَابِ، وَلَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: مَعْنَى" أَنْزَلْناهُ" أَيْ أَنْزَلْنَا خَبَرَ يُوسُفَ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: سَلُوهُ لِمَ انْتَقَلَ آلُ يَعْقُوبَ مِنَ الشَّامِ إِلَى مِصْرَ؟ وَعَنْ خَبَرِ يُوسُفَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا بِمَكَّةَ مُوَافِقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ. فَكَانَ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَخْبَرَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يَقْرَأُ كِتَابًا [قَطُّ] «٢» وَلَا هُوَ فِي مَوْضِعِ كِتَابٍ- بِمَنْزِلَةِ إِحْيَاءِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَيِّتَ عَلَى ما يأتي فيه.

[[سورة يوسف (١٢): آية ٣]]

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرُهُ. (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: قَصَصْنَا أَحْسَنَ الْقَصَصِ. وَأَصْلُ الْقَصَصِ تَتَبُّعُ الشَّيْءِ، ومنه قول تعالى:" وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ" «٣» [القصص: ١١] أَيْ تَتَبَّعِي أَثَرَهُ، فَالْقَاصُّ يَتْبَعُ الْآثَارَ فَيُخْبِرُ بِهَا. وَالْحُسْنُ يَعُودُ إِلَى الْقَصَصِ لَا إِلَى الْقِصَّةِ. يُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الِاقْتِصَاصِ لِلْحَدِيثِ أَيْ جَيِّدُ السِّيَاقَةِ لَهُ. وَقِيلَ: الْقَصَصُ لَيْسَ مَصْدَرًا، بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْمِ، كَمَا يُقَالُ: اللَّهُ رَجَاؤُنَا، أَيْ مَرْجُوُّنَا فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: نَحْنُ نُخْبِرُكَ بِأَحْسَنِ الْأَخْبَارِ. (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي بوحينا ف" بِما" مَعَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ. (هذَا الْقُرْآنَ) نُصِبَ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِهَذَا، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ الْخَفْضَ، قَالَ: عَلَى التَّكْرِيرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى البدل من" ما".


(١). الرجز للعجاج، وصدر البيت:
تقول بنتي قد أنى أناكا

(٢). من ع.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٢٥٤.