[سورة الانفطار (٨٢): الآيات ١٣ الى ١٩]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧)
ثُمَّ مَا أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) تَقْسِيمٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: ٧] وقال: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم: ٤٣]. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَتَيْنِ. (يَصْلَوْنَها) أَيْ يُصِيبُهُمْ لَهَبُهَا وَحَرُّهَا (يَوْمَ الدِّينِ) أَيْ يَوْمَ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، وَكَرَّرَ ذِكْرَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ؟ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ
[الْقَارِعَةُ: ٣ - ١] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: كل شي مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ: وَما أَدْراكَ؟ فَقَدْ أدراه. وكل شي مِنْ قَوْلِهِ" وَمَا يُدْرِيكَ" فَقَدْ طُوِيَ عَنْهُ. (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو (يَوْمُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ يَوْمُ الدِّينِ أَوْ رَدًّا عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ صِفَةً وَنَعْتًا لِ- يَوْمُ الدِّينِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ بِإِضْمَارِ هُوَ. الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ إِلَّا أَنَّهُ، نُصِبَ، لِأَنَّهُ مُضَافٌ غَيْرُ مُتَمَكِنٍ، كَمَا تَقُولُ: أَعْجَبَنِي يَوْمَ يَقُومُ زَيْدٌ. وَأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ:
مِنْ أَيِ يَوْمَيَّ مِنَ الْمَوْتِ أَفِرُّ ... أَيَوْمَ لَمْ يُقْدَرْ أَمْ يَوْمَ قُدِرْ
فَالْيَوْمَانِ الثَّانِيَانِ مَخْفُوضَانِ بِالْإِضَافَةِ، عَنِ التَّرْجَمَةِ عَنِ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، إِلَّا أَنَّهُمَا نُصِبَا فِي اللَّفْظِ، لِأَنَّهُمَا أُضِيفَا إِلَى غَيْرِ مَحْضٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْيَوْمُ الثَّانِي مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَحَلِّ، كَأَنَّهُ قَالَ فِي يَوْمٍ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا. وَقِيلَ: بِمَعْنَى: إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَكُونُ يَوْمَ، أَوْ عَلَى مَعْنَى يُدَانُونَ يَوْمَ، لِأَنَّ الدِّينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ. (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ، كَمَا قَالَ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر: ١٧ - ١٦]. تمت السورة والحمد لله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute