قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) أَيْ عُقَلَاءُ. وَقِيلَ: شُهَدَاءُ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا أَنَّ دِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ الْإِسْلَامُ، إِذْ فِيهِ «١» نَعْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[[سورة آل عمران (٣): آية ١٠٠]]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠)
نَزَلَتْ فِي يَهُودِيٍّ أَرَادَ تَجْدِيدَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ بَيْنَهُمْ وَأَنْشَدَهُمْ شِعْرًا قَالَهُ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ فِي حَرْبِهِمْ. فَقَالَ الْحَيُّ الْآخَرُ: قَدْ قَالَ شَاعِرُنَا فِي يَوْمٍ كَذَا وكذا، فكأنهم دخلهم من ذلك شي، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَرُدُّ الْحَرْبَ جَذْعَاءَ كَمَا كَانَتْ. فَنَادَى هَؤُلَاءِ: يَا آلَ أَوْسٍ. وَنَادَى هَؤُلَاءِ. يَا آلَ خَزْرَجٍ، فَاجْتَمَعُوا وَأَخَذُوا السِّلَاحَ وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَقَرَأَهَا وَرَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ أَنْصَتُوا لَهُ وَجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَلْقَوُا السِّلَاحَ وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَجَعَلُوا يَبْكُونَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ الْيَهُودِيُّ، دَسَّ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مَنْ يُذَكِّرُهُمْ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْحُرُوبِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاهم وذكرهم، فعرف القوم أنها نزعة مِنَ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَأَلْقَوُا السِّلَاحَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَبَكَوْا وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)
يَعْنِي الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ. (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يَعْنِي شَاسًا وَأَصْحَابَهُ. (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا كَانَ طَالِعٌ أَكْرَهَ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْنَا بِيَدِهِ فَكَفَفْنَا وَأَصْلَحَ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيْنَنَا، فَمَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا أَقْبَحَ وَلَا أَوْحَشَ أَوَّلًا وَأَحْسَنَ آخِرًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
[[سورة آل عمران (٣): آية ١٠١]]
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)
(١). في د وب: وأن فيه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute