للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضِّرَارِ. (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) أَيْ مَا أَرَدْنَا بِبِنَائِهِ إِلَّا الْفِعْلَةَ الْحُسْنَى، وَهِيَ الرِّفْقُ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا ذَكَرُوا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَخْتَلِفُ بِالْمَقْصُودِ وَالْإِرَادَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ:" وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى "." وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ" أَيْ يَعْلَمُ خبث ضمائر هم وكذبهم فيما يحلفون عليه.

[[سورة التوبة (٩): آية ١٠٨]]

لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)

فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) يَعْنِي مَسْجِدَ الضِّرَارِ، أَيْ لَا تَقُمْ فِيهِ لِلصَّلَاةِ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَقُومُ اللَّيْلَ أَيْ يُصَلِّي، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ... ، فَذَكَرَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ لَا يَمُرُّ بِالطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا الْمَسْجِدُ، وَأَمَرَ بِمَوْضِعِهِ أَنْ يُتَّخَذَ كُنَاسَةً «١» تُلْقَى فِيهَا الْجِيَفُ وَالْأَقْذَارُ وَالْقُمَامَاتُ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَبَداً"" أَبَداً" ظَرْفُ زَمَانٍ. وَظَرْفُ الزَّمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ: ظَرْفٌ مُقَدَّرٌ كَالْيَوْمِ، وَظَرْفٌ مُبْهَمٌ كَالْحِينِ وَالْوَقْتِ، وَالْأَبَدُ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ، وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ. وَتَنْشَأُ هُنَا مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ" أَبَدًا" وَإِنْ كَانَتْ ظَرْفًا مُبْهَمًا لَا عُمُومَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ إِذَا اتَّصَلَ بِلَا النَّافِيَةِ أَفَادَ الْعُمُومَ، فَلَوْ قَالَ: لَا تَقُمْ، لَكَفَى فِي الِانْكِفَافِ الْمُطْلَقِ. فَإِذَا قَالَ:" أَبَدًا" فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَلَا فِي حِينٍ مِنَ الْأَحْيَانِ. فَأَمَّا النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ إِذَا كَانَتْ خَبَرًا عَنْ وَاقِعٍ لَمْ تَعُمْ، وَقَدْ فَهِمَ ذَلِكَ أَهْلُ اللِّسَانِ وَقَضَى بِهِ فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ فَقَالُوا: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طالق أبدا طلقت طلقة واحدة.


(١). في ج: مزبلة وفي ى: كناسة مزبلة.