للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ) فَفِي" كَيْفَ" مَعْنَى الْإِنْكَارِ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَخْوِيفَهُمْ إِيَّاهُ بِالْأَصْنَامِ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، أَيْ كَيْفَ أَخَافُ مَوَاتًا وَأَنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الله القادر على كل شي (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا) أَيْ حُجَّةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) أَيْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ: الْمُوَحِّدُ أَمِ الْمُشْرِكُ، فَقَالَ اللَّهُ قَاضِيًا بَيْنَهُمْ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يلبسوا إيمانهم بظلم) أي بشرك، قال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيٌّ وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مِنْ قوم إِبْرَاهِيمَ، كَمَا يَسْأَلُ الْعَالِمُ وَيُجِيبُ نَفْسَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ (قَوْمِ) «٢» إِبْرَاهِيمَ، أَيْ أَجَابُوا بما وهو حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا نَزَلَتْ" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ" شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ" يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «٣»." (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أَيْ فِي الدنيا.

[[سورة الأنعام (٦): آية ٨٣]]

وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) (تِلْكَ) «٤» إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ احْتِجَاجَاتِهِ حَتَّى خَاصَمَهُمْ وَغَلَبَهُمْ بالحجة. وقال مجاهد: هي قول:" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ". وَقِيلَ: حُجَّتُهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا لَهُ: أَمَا تَخَافُ «٥» أَنْ تَخْبِلَكَ آلِهَتُنَا لِسَبِّكَ إِيَّاهَا؟ قَالَ لَهُمْ: أَفَلَا تَخَافُونَ أَنْتُمْ مِنْهَا إِذْ سَوَّيْتُمْ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّعْظِيمِ، فَيَغْضَبُ الْكَبِيرُ فَيَخْبِلَكُمْ؟. (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) أَيْ بِالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ وَالْإِمَامَةِ وَالْمُلْكِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ" دَرَجَاتٍ" بِالتَّنْوِينِ. وَمِثْلُهُ فِي" يُوسُفَ «٦» " أَوْقَعُوا الْفِعْلَ عَلَى" مَنْ" لِأَنَّهُ الْمَرْفُوعُ فِي الْحَقِيقَةِ، التَّقْدِيرُ: وَنَرْفَعُ مَنْ نَشَاءُ إِلَى دَرَجَاتٍ. ثُمَّ حُذِفَتْ إِلَى. وَقَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرٍو بِغَيْرِ تَنْوِينٍ على الإضافة، والفعل واقع على الدرجات، إذا رفعت فقد رفع


(١). راجع ج ٤ ص ٢٣٣.
(٢). من ب وج وك.
(٣). راجع ج ١٤ ص ٦٢. [ ..... ]
(٤). من ك.
(٥). في ك: إنا نخاف.
(٦). راجع ج ٩ ص ٢٣٥.