تَعُودُ عَلَى الَّذِينَ، أَيْ فَأَرُونِي الْأَشْيَاءَ الَّتِي خَلَقَهَا الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تقول: ماذا تعلمت، أنحو أم شعر. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ" مَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ب"- أروني" و" ذا" زائد، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: مَاذَا تَعَلَّمْتَ، أَنَحْوًا أم شعرا.
[[سورة لقمان (٣١): آية ١٢]]
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) مَفْعُولَانِ. وَلَمْ يَنْصَرِفْ" لُقْمانَ" لِأَنَّ فِي آخِرِهِ أَلِفًا وَنُونًا زَائِدَتَيْنِ، فَأَشْبَهَ فُعْلَانَ الَّذِي أُنْثَاهُ فُعْلَى فَلَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ ثِقَلٌ ثَانٍ، وَانْصَرَفَ فِي النَّكِرَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الثِّقَلَيْنِ قَدْ زَالَ، قَالَهُ النحاس. وهو لقمان بن باعوراء ابن نَاحُورَ بْنِ تَارِحٍ، وَهُوَ آزَرُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ، كَذَا نَسَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ. وَقِيلَ: هُوَ لقمان ابن عَنْقَاءَ بْنِ سَرُّونَ وَكَانَ نُوبِيًّا مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ. قَالَ وَهْبٌ: كَانَ ابْنَ أُخْتِ أَيُّوبَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ خَالَةِ أَيُّوبَ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهُوَ لُقْمَانُ بْنُ باعوراء ابن أُخْتِ أَيُّوبَ أَوِ ابْنِ خَالَتِهِ، وَقِيلَ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ آزَرَ، عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ وَأَدْرَكَهُ دَاوُدُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَخَذَ عَنْهُ الْعِلْمَ، وَكَانَ يُفْتِي قَبْلَ مَبْعَثِ دَاوُدَ، فَلَمَّا بُعِثَ قَطَعَ الْفَتْوَى فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: أَلَا أَكْتَفِي إِذْ كُفِيتُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ قَاضِيًا فِي بني إسرائيل. وقال سعيد ابن الْمُسَيَّبِ: كَانَ لُقْمَانُ أَسْوَدَ مِنْ سُودَانِ مِصْرَ ذَا مَشَافِرَ، أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحِكْمَةَ وَمَنَعَهُ النُّبُوَّةَ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ كَانَ وَلِيًّا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا. وَقَالَ بِنُبُوَّتِهِ عِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْحِكْمَةُ النُّبُوَّةَ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا حَكِيمًا بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى- وَهِيَ الصَّوَابُ فِي الْمُعْتَقَدَاتِ وَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ «١» - قَاضِيًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَسْوَدَ مُشَقَّقَ الرِّجْلَيْنِ ذَا مَشَافِرَ، أَيْ عَظِيمَ الشَّفَتَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَمْ يَكُنْ لُقْمَانُ نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر
(١). في تفسير ابن عطية: ( ... والعمل).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute