للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تَخْلُفِينَهُ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ. وَقِيلَ: مَعْنَى" وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا" أَيْ يُؤْثِرُ الْعَاجِلَ وَإِنْ قَلَّ، عَلَى الْآجِلِ وَإِنْ جل.

[[سورة الإسراء (١٧): آية ١٢]]

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) أَيْ عَلَامَتَيْنِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِنَا وَوُجُودِنَا وَكَمَالِ علمنا وقدرتنا. والآية فيهما: إقبال كل مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، وَإِدْبَارُهُ إِلَى حَيْثُ لَا يَعْلَمُ. وَنُقْصَانُ أَحَدِهِمَا بِزِيَادَةِ الْآخَرِ وَبِالْعَكْسِ آيَةٌ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ ضَوْءُ النَّهَارِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا «١» .. (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) وَلَمْ يَقُلْ: فَمَحَوْنَا اللَّيْلَ، فَلَمَّا أَضَافَ الْآيَةَ إِلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ المذكورتين لهما لا هما. و" فَمَحَوْنا" مَعْنَاهُ طَمَسْنَا. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَّ جَنَاحَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ فَطَمَسَ عَنْهُ الضَّوْءَ وَكَانَ كَالشَّمْسِ فِي النُّورِ، وَالسَّوَادُ الَّذِي يُرَى فِي الْقَمَرِ مِنْ أَثَرِ الْمَحْوِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ الشَّمْسَ سَبْعِينَ جُزْءًا وَالْقَمَرَ سَبْعِينَ جُزْءًا، فَمَحَا مِنْ نُورِ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَجَعَلَهُ مَعَ نُورِ الشَّمْسِ، فَالشَّمْسُ عَلَى مِائَةٍ وَتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا وَالْقَمَرُ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا: خَلَقَ اللَّهُ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عرشه، وجعل مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَكُونَ شَمْسًا مِثْلَ الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِهَا مَا بَيْنَ مَشَارِقِهَا إِلَى مَغَارِبِهَا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ دُونَ الشَّمْسِ، فَأَرْسَلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَّ جَنَاحَهُ عَلَى وَجْهِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَمْسٌ فَطَمَسَ ضَوْءَهُ وَبَقِيَ نُورُهُ، فَالسَّوَادُ الَّذِي تَرَوْنَهُ فِي الْقَمَرِ أَثَرُ الْمَحْوِ، وَلَوْ تَرَكَهُ شَمْسًا لَمْ يُعْرَفِ الليل من النهار ذكر


(١). راجع ج ٢ ص ١٩٢.