" وَبَيَّنُوا" أَيْ بِكَسْرِ الْخَمْرِ وَإِرَاقَتِهَا. وَقِيلَ:" بَيَّنُوا" يَعْنِي مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ. وَالْعُمُومُ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، أَيْ بَيَّنُوا خِلَافَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ." فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" تَقَدَّمَ «١» وَالْحَمْدُ لله.
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٦١ الى ١٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَهُمْ كُفَّارٌ" الْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ لِي كَثِيرٌ مِنْ أَشْيَاخِي إِنَّ الْكَافِرَ الْمُعَيَّنَ لَا يَجُوزُ لَعْنُهُ، لِأَنَّ حَالَهُ عِنْدَ الْمُوَافَاةِ لَا تُعْلَمُ، وَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي إِطْلَاقِ اللَّعْنَةِ: الْمُوَافَاةَ عَلَى الْكُفْرِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ أَقْوَامًا بِأَعْيَانِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي جَوَازِ لَعْنِهِ لِظَاهِرِ حَالِهِ وَلِجَوَازِ قَتْلِهِ وَقِتَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هَجَانِي وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَالْعَنْهُ وَاهْجُهُ عَدَدَ مَا هَجَانِي). فَلَعَنَهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ وَالدِّينُ وَالْإِسْلَامُ مَآلَهُ. وَانْتَصَفَ بِقَوْلِهِ: (عَدَدَ مَا هَجَانِي) وَلَمْ يَزِدْ لِيُعْلَمَ الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ. وَأَضَافَ الْهَجْوَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي بَابِ الْجَزَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ بِالْوَصْفِ بِذَلِكَ، كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ الْمَكْرُ وَالِاسْتِهْزَاءُ وَالْخَدِيعَةُ. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. قُلْتُ: أَمَّا لَعْنُ الْكُفَّارِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ الْأَعْرَجَ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّةٌ أَمْ لَمْ تَكُنْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، ولكنه مباح لمن
(١). تراجع المسألة الخامسة وما بعدها ج ١ ص ٣٢٥ طبعه ثانية. [ ..... ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute