للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠)

لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَنْصَارِ الْأَنْبِيَاءِ حَذَّرَ طَاعَةَ الْكَافِرِينَ، يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ: أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ وَقِيلَ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ: ارْجِعُوا إِلَى دِينِ آبَائِكُمْ. (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) أَيْ إِلَى الْكُفْرِ. (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) أَيْ فَتَرْجِعُوا مَغْبُونِينَ. ثُمَّ قَالَ: (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ) أَيْ مُتَوَلِّي نَصْرَكُمْ وَحِفْظَكُمْ إن أطعتموه. وقرى" بَلِ اللَّهُ" بِالنَّصْبِ، عَلَى تَقْدِيرِ بَلْ وَأَطِيعُوا الله مولاكم.

[[سورة آل عمران (٣): آية ١٥١]]

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١)

نَظِيرُهُ" وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ" «١». وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ" الرُّعُبَ" بِضَمِ الْعَيْنِ، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَالرُّعْبُ: الْخَوْفُ، يُقَالُ: رَعَبْتُهُ رُعْبًا وَرُعُبًا، فَهُوَ مَرْعُوبٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرُّعْبُ مَصْدَرًا، وَالرُّعْبُ الِاسْمُ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَلْءِ، يُقَالُ: سَيْلٌ رَاعِبٌ يَمْلَأُ الْوَادِيَ. وَرَعَبْتُ الْحَوْضَ مَلَأْتُهُ. وَالْمَعْنَى: سَنَمْلَأُ قُلُوبَ الْمُشْرِكِينَ «٢» خَوْفًا وَفَزَعًا. وَقَرَأَ السِّخْتِيَانِيُّ" سَيُلْقِي" بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ. قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: لَمَّا ارْتَحَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّةَ انْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَدِمُوا وَقَالُوا: بِئْسَ مَا صَنَعْنَا! قَتَلْنَاهُمْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ «٣» تَرَكْنَاهُمْ، ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ حَتَّى رَجَعُوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ. وَالْإِلْقَاءُ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي الْأَجْسَامِ، قال الله تعالى:" وَأَلْقَى الْأَلْواحَ" [الأعراف: ١٥٠] «٤» " فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ" [الشعراء: ٤٤] " فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ" [الأعراف: ١٠٧]. قَالَ الشَّاعِرُ: فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى


(١). راجع ج ١٨ ص ٣.
(٢). في د وج وهـ: الكافرين.
(٣). في د: الشديد.
(٤). راجع ج ٧ ص ٢٨٨ و٢٥٦ وج ١٣ ص ٩٧.