للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ، وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ الْآنَ مِنْ ثَؤْرَةٍ «١» فِيمَا أَصَابَ مِنَّا، فَفَعَلَ فَلَمَّا مَرَّ بِهِ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ سَلَّهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرُوا أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَلْقَتْ- لِلرَّوْعَةِ الَّتِي أَصَابَتْهَا حِينَ رَوَّعَهَا هَبَّارُ بْنُ أُمِّ دِرْهَمٍ- مَا فِي بَطْنِهَا. الثَّالِثَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ:" لَمَّا أُسِرَ مَنْ أُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُمْضُوا فِيهِ عَزِيمَةً وَلَا اعْتَرَفُوا بِهِ اعْتِرَافًا جَازِمًا. وَيُشْبِهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَقْرُبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْعُدُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنْ تَكَلَّمَ الْكَافِرُ بِالْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ وَبِلِسَانِهِ وَلَمْ يُمْضِ فِيهِ عَزِيمَةً لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. وَإِذَا وُجِدَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِ كَانَ كَافِرًا، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْهَا وَأَسْقَطَهَا. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقِيقَةَ فقال: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) أَيْ إِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ خِيَانَةً وَمَكْرًا" فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ" بِكُفْرِهِمْ ومكر هم بِكَ وَقِتَالِهِمْ لَكَ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ خَيْرًا وَيَعْلَمُهُ اللَّهُ فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَيُعَوِّضُهُمْ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ وَمَكْرِهِمْ". وَجَمْعُ خِيَانَةٍ خَيَائِنُ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: خَوَائِنُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، إِلَّا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمْعِ خَائِنَةٍ. وَيُقَالُ: خَائِنٌ وَخَوَّانٌ وخونة وخانة.

[سورة الأنفال (٨): الآيات ٧٢ الى ٧٥]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)


(١). الثورة (بالضم): الثأر.