أَبِي عَمْرٍو: غِشْوَةٌ، رَدَّهُ إِلَى أَصْلِ الْمَصْدَرِ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: وَيَجُوزُ غَشْوَةٌ وَغِشْوَةٌ وَأَجْوَدُهَا غِشَاوَةٌ، كَذَلِكَ تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الشَّيْءِ، نَحْوَ عِمَامَةٍ وَكِنَانَةٍ وَقِلَادَةٍ وَعِصَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. الْعَاشِرَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَهُمْ) أَيْ لِلْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ (عَذابٌ عَظِيمٌ) نَعْتُهُ. وَالْعَذَابُ مِثْلُ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ وَالْحَرْقِ بِالنَّارِ وَالْقَطْعِ بِالْحَدِيدِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْلِمُ الْإِنْسَانَ. وَفِي التَّنْزِيلِ:" وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ «١» مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" [النور: ٢] وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ، يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: أَعْذِبْهُ عَنْ كَذَا أَيِ احْبِسْهُ وَامْنَعْهُ، وَمَنْهُ سُمِّيَ عُذُوبَةُ الْمَاءِ، لِأَنَّهَا قَدْ أُعْذِبَتْ. وَاسْتُعْذِبَ بِالْحَبْسِ فِي الْوِعَاءِ لِيَصْفُوَ وَيُفَارِقَهُ مَا خَالَطَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَعْذِبُوا نِسَاءَكُمْ عَنِ الْخُرُوجِ، أَيِ احْبِسُوهُنَّ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ شَيَّعَ سَرِيَّةً فَقَالَ: أَعْذِبُوا عَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ [أَنْفُسَكُمْ] فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْسِرُكُمْ عَنِ الْغَزْوِ، وَكُلُّ مَنْ مَنَعْتُهُ شَيْئًا فَقَدْ أَعْذَبْتُهُ، وَفِي الْمَثَلِ:" لَأُلْجِمَنَّكَ لِجَامًا مُعْذِبًا" أَيْ مَانِعًا عَنْ رُكُوبِ النَّاسِ. وَيُقَالُ: أَعْذَبَ أَيِ امْتَنَعَ. وَأَعْذَبَ غَيْرَهُ، فَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، فَسُمِّيَ الْعَذَابُ عَذَابًا لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ عَنْهُ جَمِيعُ مَا يُلَائِمُ الْجَسَدَ مِنَ الْخَيْرِ ويهال عليه أضدادها.
[[سورة البقرة (٢): آية ٨]]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: نَزَلَتْ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَاثْنَتَانِ فِي نَعْتِ الْكَافِرِينَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ فِي الْمُنَافِقِينَ. وَرَوَى أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ:" وَمِنَ النَّاسِ" قَالَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَقَالَ عُلَمَاءُ الصُّوفِيَّةِ: النَّاسُ اسْمُ جِنْسٍ، وَاسْمُ الْجِنْسِ لَا يُخَاطَبُ بِهِ الْأَوْلِيَاءُ. الثَّانِيَةُ وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي لَفْظِ النَّاسِ، فَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ، جَمْعُ إِنْسَانٍ وَإِنْسَانَةٍ، عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ، وَتَصْغِيرُهُ نُوَيْسٌ. فَالنَّاسُ مِنَ النَّوْسِ وَهُوَ الْحَرَكَةُ، يُقَالُ: نَاسَ يَنُوسُ أَيْ تَحَرَّكَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ زَرْعٍ:" أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ". وقيل: أصله من نسي، فأصل
(١). راجع ج ١٢ ص ١٦٦
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute