للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن مَسْعُودٍ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَابْنُ عَامِرٍ" وَصِيَّةً" بِالنَّصْبِ، وَذَلِكَ حُمِلَ عَلَى الْفِعْلِ، أَيْ فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً. ثُمَّ الْمَيِّتُ لَا يُوصِي، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ إِذَا قَرُبُوا مِنَ الْوَفَاةِ، وَ" لِأَزْواجِهِمْ" عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَيْضًا صِفَةٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَوْصَى اللَّهُ وَصِيَّةً." مَتاعاً" أَيْ مَتِّعُوهُنَّ مَتَاعًا: أَوْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ ذَلِكَ مَتَاعًا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ أَوْ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْوَصِيَّةُ، كَقَوْلِهِ:" أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً «١» " وَالْمَتَاعُ هَاهُنَا نَفَقَةُ سَنَتِهَا. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (غَيْرَ إِخْراجٍ) مَعْنَاهُ لَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَوَارِثِي الْمَنْزِلِ إِخْرَاجُهَا. وَ" غَيْرَ" نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ، كَأَنَّهُ قَالَ لَا إِخْرَاجًا. وَقِيلَ: نُصِبَ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْمَتَاعِ. وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُوصِينَ، أَيْ مَتِّعُوهُنَّ غَيْرَ مُخْرَجَاتٍ. وَقِيلَ: بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ خَرَجْنَ) الْآيَةَ. مَعْنَاهُ بِاخْتِيَارِهِنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ. (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أَيْ لَا حَرَجَ عَلَى أَحَدٍ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُقَامُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا. وَقِيلَ: أَيْ لَا جُنَاحَ فِي قَطْعِ النَّفَقَةِ عَنْهُنَّ، أَوْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي التَّشَوُّفِ إِلَى الْأَزْوَاجِ، إِذْ قَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُنَّ مُرَاقَبَتُكُمْ أَيُّهَا الْوَرَثَةُ، ثُمَّ عَلَيْهَا أَلَّا تَتَزَوَّجَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ، أَوْ لَا جُنَاحَ فِي تَزْوِيجِهِنَّ «٢» بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّهُ قَالَ" مِنْ مَعْرُوفٍ" وَهُوَ مَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ. (وَاللَّهُ عَزِيزٌ) صِفَةٌ تَقْتَضِي الْوَعِيدَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ خَالَفَ الْحَدَّ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، فَأَخْرَجَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ لَا تُرِيدُ الْخُرُوجَ. (حَكِيمٌ) أَيْ مُحْكِمٌ لِمَا يُرِيدُ مِنْ أُمُورِ عِبَادِهِ.

[سورة البقرة (٢): الآيات ٢٤١ الى ٢٤٢]

وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَالْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ. [قَالَ «٣» الزُّهْرِيُّ [حَتَّى لِلْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْآيَةِ. وقال مالك: لكل مطلقه- اثنتين


(١). راجع ج ٢٠ ص ٦٩.
(٢). في هـ: تزوجهن.
(٣). في هـ.