للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَنِفَ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَالْحَنَفُ: الْمَيْلُ، وَمِنْهُ رِجْلٌ حَنْفَاءُ، وَرَجُلٌ أَحْنَفُ، وَهُوَ الَّذِي تَمِيلُ قَدَمَاهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى أُخْتِهَا بِأَصَابِعِهَا. قَالَتْ أُمُّ الْأَحْنَفِ:

وَاللَّهِ لَوْلَا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ ... مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا حُوِّلَ الظِّلُّ الْعَشِيَّ رَأَيْتَهُ ... حَنِيفًا وَفِي قَرْنِ الضُّحَى يَتَنَصَّرُ

أَيِ الْحِرْبَاءُ تَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالْعَشِيِّ، وَالْمَشْرِقَ بِالْغَدَاةِ، وَهُوَ قِبْلَةُ النَّصَارَى. وَقَالَ قَوْمٌ: الْحَنَفُ الِاسْتِقَامَةُ، فَسُمِّيَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا لِاسْتِقَامَتِهِ. وَسُمِّيَ الْمِعْوَجُّ الرِّجْلَيْنِ أَحْنَفَ تَفَاؤُلًا بِالِاسْتِقَامَةِ، كَمَا قِيلَ لِلَّدِيغِ سَلِيمٌ، وللمهلكة مفازة، في قول أكثرهم.

[[سورة البقرة (٢): آية ١٣٦]]

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ" خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ) الْآيَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِذَا قِيلَ لَكَ أَنْتَ مُؤْمِنٌ؟ فَقُلْ:" آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ" الْآيَةَ. وَكَرِهَ أَكْثَرُ السَّلَفِ أَنْ يَقُولُ الرَّجُلُ: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْأَنْفَالِ «١» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وسيل بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَنْ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِفُلَانٍ النَّبِيِّ، فَسَمَّاهُ بِاسْمٍ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَلَوْ قَالَ نَعَمْ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، فَقَدْ شَهِدَ بِالنُّبُوَّةِ لِغَيْرِ نَبِيٍّ، وَلَوْ قَالَ لَا، فَلَعَلَّهُ نَبِيٌّ، فَقَدْ جَحَدَ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَكَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَقَدْ آمَنْتُ بِهِ. وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، عَلَّمَهُمُ الْإِيمَانَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


(١). راجع ج ٧ ص ٧٦٣.