للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأُمَرَاءِ الْيَوْمَ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ أَخْذُهُ، وَهُوَ كَلِصٍّ فِي يَدِهِ مَالٌ مَسْرُوقٌ، وَمَالٌ جَيِّدٌ حَلَالٌ وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ رَجُلٌ فَجَاءَ اللِّصُّ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى إِنْسَانٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللِّصُّ يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ مَا سَرَقَ، إذا لم يكن شي مَعْرُوفٌ بِنَهْبٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَوِ اشْتَرَى كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا لَازِمًا- وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ التَّنَزُّهُ عَنْهُ- وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْوَالَ لَا تُحَرَّمُ بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا تُحَرَّمُ لِجِهَاتِهَا. وَإِنْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ظُلْمًا صُرَاحًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَيْدِيهِمْ. وَلَوْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمَالِ مَغْصُوبًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ وَلَا مُطَالِبٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي أَيْدِي اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُنْتَظَرُ طَالِبُهُ بِقَدْرِ الِاجْتِهَادِ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَرَفَهُ الْإِمَامُ فِي مصالح المسلمين.

[[سورة البقرة (٢): آية ١٢٥]]

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً" فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" جَعَلْنَا" بِمَعْنَى صَيَّرْنَا لِتَعَدِّيهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ." الْبَيْتَ" يَعْنِي الْكَعْبَةَ." مَثابَةً" أَيْ مَرْجِعًا، يقال: ثاب يثوب مثابا ومثابة وثئوبا وَثَوَبَانًا. فَالْمَثَابَةُ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ وَيُرَادُ بِهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُثَابُ إِلَيْهِ، أَيْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ. قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فِي الْكَعْبَةِ «١»:

مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا ... تَخُبُّ إِلَيْهَا الْيَعْمَلَاتُ الذَّوَامِلُ

وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ:" مَثَابَاتٍ" عَلَى الْجَمْعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثَّوَابِ، أَيْ يُثَابُونَ هُنَاكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَقْضِي أَحَدٌ مِنْهُ وَطَرًا، قَالَ الشَّاعِرُ:

جُعِلَ الْبَيْتُ مَثَابًا لَهُمْ ... لَيْسَ مِنْهُ الدَّهْرُ يَقْضُونَ الْوَطَرْ

وَالْأَصْلُ مَثُوبَةٌ، قُلِبَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ عَلَى الثَّاءِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا اتِّبَاعًا لِثَابَ يَثُوبُ، وَانْتَصَبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَدَخَلَتِ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَثُوبُ أَيْ يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُفَارِقُ أَحَدُ الْبَيْتِ إِلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ وَطَرًا، فَهِيَ كَنَسَّابَةِ وَعَلَّامَةٍ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هي هاء تأنيث المصدر وليست للمبالغة.


(١). الذي في اللسان وشرح القاموس مادة" ثوب" أن البيت لابي طالب.