للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَا مُفْتَرٍ، اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسُبَّ الشَّيْطَانَ فِي الْعَلَانِيَةِ وَأَنْتَ صَدِيقُهُ فِي السِّرِّ. وَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: يَا عَجَبًا لِمَنْ عَصَى الْمُحْسِنَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِإِحْسَانِهِ! وَأَطَاعَ اللَّعِينَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِعَدَاوَتِهِ! وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْبَقَرَةِ" مُجَوَّدًا. وَ" عَدُوٌّ" فِي قَوْلِهِ:" إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مُعَادٍ، فَيُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُؤَنَّثُ. وَيَكُونُ بِمَعْنَى النَّسَبِ فَيَكُونُ موحدا بكل حال، كما قال عز وجل:" فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي" [الشعراء: ٧٧]. وَفِي الْمُؤَنَّثِ عَلَى هَذَا أَيْضًا عَدُوٌّ. النَّحَّاسُ: فَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ إِنَّ الْوَاوَ خَفِيَّةٌ فَجَاءُوا بِالْهَاءِ فَخَطَأٌ، بَلِ الْوَاوُ حَرْفٌ جَلْدٌ. (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) كَفَّتْ" مَا"" إِنَّ" عَنِ الْعَمَلِ فَوَقَعَ بَعْدَهَا الْفِعْلُ." حِزْبَهُ" أَيْ أَشْيَاعَهُ. (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) فَهَذِهِ عَدَاوَتُهُ." الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ" يَكُونُ" الَّذِينَ" بَدَلًا مِنْ" أَصْحابِ" فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، أَوْ يَكُونُ بَدَلًا مِنْ" حِزْبَهُ" فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَوْ يكون بدلا من الواو فكون فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَقَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَحْسَنُهَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ خَبَرُهُ" لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ"، وَكَأَنَّهُ. سُبْحَانَهُ بَيَّنَ حَالَ مُوَافَقَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ قَدْ تَمَّ فِي قَوْلِهِ:" مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ" ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ" الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ". فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ أَيْضًا، وَخَبَرُهُ (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أَيْ لِذُنُوبِهِمْ. (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وَهُوَ الْجَنَّةُ.

[[سورة فاطر (٣٥): آية ٨]]

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨)

قَوْلُهُ تَعَالَى (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) " مَنْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ" فَالْمَعْنَى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ذَهَبَتْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ. قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ