للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ. وَالنَّاقُورُ: فَاعُولٌ مِنَ النَّقْرِ، كَأَنَّهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُنْقَرَ فِيهِ لِلتَّصْوِيتِ، وَالنَّقْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الصَّوْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ.

أُخَفِّضُهُ بِالنَّقْرِ لَمَّا عَلَوْتُهُ ... وَيَرْفَعُ طَرْفًا غَيْرَ خَافٍ غَضِيضِ

وَهُمْ يَقُولُونَ: نَقَّرَ بِاسْمِ الرَّجُلِ إِذْ دَعَاهُ مُخْتَصًّا لَهُ بِدُعَائِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هُوَ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ، وَيَعْنِي بِهِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ. وَقِيلَ: الْأُولَى، لِأَنَّهَا أَوَّلُ الشِّدَّةِ الْهَائِلَةِ الْعَامَّةِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي" النَّمْلِ" «١» وَ" الْأَنْعَامِ" «٢» وَفِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ"، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَعَنْ أَبِي حِبَّانَ قَالَ: أَمَّنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى فَلَمَّا بَلَغَ فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ خَرَّ مَيِّتًا. (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) أَيْ فَذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمٌ شَدِيدٌ (عَلَى الْكافِرِينَ) أَيْ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَبِأَنْبِيَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ (غَيْرُ يَسِيرٍ) أَيْ غَيْرُ سَهْلٍ وَلَا هَيِّنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عُقَدَهُمْ لَا تَنْحَلُّ إِلَّا إِلَى عُقْدَةٍ أَشَدَّ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُذْنِبِينَ فَإِنَّهَا تَنْحَلُّ إِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهَا حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَ (يَوْمَئِذٍ) نُصِبَ عَلَى تَقْدِيرِ فَذَلِكَ يَوْمٌ عَسِيرٌ يَوْمَئِذٍ. وَقِيلَ: جُرَّ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ مَجَازُهُ: فَذَلِكَ فِي يَوْمَئِذٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا إِلَّا أَنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى غير متمكن.

[سورة المدثر (٧٤): الآيات ١١ الى ١٧]

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)

كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (ذَرْنِي) أَيْ دَعْنِي، وَهِيَ كَلِمَةُ وَعِيدٍ وَتَهْدِيدٍ. وَمَنْ خَلَقْتُ أَيْ دَعْنِي وَالَّذِي خَلَقْتُهُ وَحِيدًا، فَ- وَحِيداً عَلَى هَذَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ، أَيْ خَلَقْتُهُ وَحْدَهُ، لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ بعد ذلك ما أعطيته.


(١). راجع ج ١٣ ص ٣٣٩.
(٢). راجع ج ٧ ص ٣٠.