قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) أي إن الله غفور رحيم في ذلك. أو ذكرهم." يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها" أَيْ تُخَاصِمُ وَتُحَاجُّ عَنْ نَفْسِهَا، جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: نفسي نفسي! من شدة هول يوم القيمة سِوَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ فِي أُمَّتِهِ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: يَا كَعْبُ، خَوِّفْنَا هَيِّجْنَا حَدِّثْنَا نَبِّهْنَا. فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ وَافَيْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِثْلِ عَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَأَتَتْ عَلَيْكَ تَارَاتٌ لَا يَهُمُّكَ إِلَّا نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُنْتَخَبٌ إِلَّا وَقَعَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ لَيُدْلِيُ بِالْخُلَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا خَلِيلُكَ إِبْرَاهِيمُ، لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي! قَالَ: يَا كَعْبُ، أَيْنَ تَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَا تَزَالُ الْخُصُومَةُ بِالنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تُخَاصِمَ الرُّوحُ الْجَسَدَ، فَتَقُولُ الرُّوحُ: رَبِّ، الرُّوحُ مِنْكَ أَنْتَ خَلَقْتَهُ، لَمْ تَكُنْ لِي يَدٌ أَبْطِشُ بِهَا، وَلَا رِجْلٌ أَمْشِي بِهَا، وَلَا عَيْنٌ أُبْصِرُ بِهَا، وَلَا أُذُنٌ أَسْمَعُ بِهَا وَلَا عَقْلٌ أَعْقِلُ بِهِ، حَتَّى جِئْتُ فَدَخَلْتُ فِي هَذَا الْجَسَدِ، فَضَعِّفْ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الْعَذَابِ وَنَجِّنِي، فَيَقُولُ الْجَسَدُ: رَبِّ، أَنْتَ خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ فَكُنْتُ كَالْخَشَبَةِ، لَيْسَ لِي يَدٌ أَبْطِشُ بِهَا، وَلَا قَدَمٌ أَسْعَى بِهِ، وَلَا بَصَرٌ أُبْصِرُ بِهِ، وَلَا سَمْعٌ أَسْمَعُ بِهِ، فَجَاءَ هَذَا كَشُعَاعِ النُّورِ، فَبِهِ نَطَقَ لِسَانِي، وَبِهِ أَبْصَرَتْ عَيْنِي، وَبِهِ مَشَتْ رِجْلِي، وَبِهِ سَمِعَتْ أُذُنِي، فَضَعِّفْ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الْعَذَابِ وَنَجِّنِي مِنْهُ. قَالَ: فَيَضْرِبُ اللَّهُ لَهُمَا مَثَلًا أَعْمَى وَمُقْعَدًا دَخَلَا بُسْتَانًا فِيهِ ثِمَارٌ، فَالْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ الثَّمَرَةَ وَالْمُقْعَدُ لَا يَنَالُهَا، فَنَادَى الْمُقْعَدُ الْأَعْمَى ايتِنِي فَاحْمِلْنِي آكُلُ وَأُطْعِمُكَ، فَدَنَا مِنْهُ فَحَمَلَهُ، فَأَصَابُوا من الثمرة، فعلى من يكون العذاب؟ (قالا «١»: عليهما) قال: عليكما جميعا العذاب، ذكره الثعلبي.
[[سورة النحل (١٦): آية ١١٢]]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)
(١). من ج وى، وفى و: قال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute