للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) شَرْطٌ وَالْجَوَابُ (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) أَيْ مِنْ سَعَةِ رَحْمَتِهِ حَلُمَ عَنْكُمْ فَلَمْ يُعَاقِبْكُمْ فِي الدُّنْيَا. ثم أَعَدَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ فَقَالَ: (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ إذا أراد حلوله في الدنيا.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٤٨]]

سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ. (قَالُوا «١») (لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) يُرِيدُ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْوَصِيلَةَ. أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْغَيْبِ عَمَّا سَيَقُولُونَهُ «٢»، وَظَنُّوا أَنَّ هَذَا مُتَمَسَّكٌ لَهُمْ لَمَّا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ وَتَيَقَّنُوا بَاطِلَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَرْسَلَ إِلَى آبَائِنَا رَسُولًا فَنَهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَعَنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ (لَهُمْ «٣») فَيَنْتَهُوا فَأَتْبَعْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَرَدَّ اللَّهُ عليهم ذلك فقال: (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) أَيْ أَعِنْدكُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَذَا؟: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) فِي هَذَا الْقَوْلِ. (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) لِتُوهِمُوا ضَعَفَتَكُمْ أَنَّ لَكُمْ حُجَّةً. (وَقَوْلُهُ «٤») " وَلا آباؤُنا" عَطْفٌ عَلَى النُّونِ فِي" أَشْرَكْنا". وَلَمْ يَقُلْ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا، لأن قول" وَلا" قَامَ مَقَامَ تَوْكِيدِ الْمُضْمَرِ، وَلِهَذَا حَسُنَ أن يقال: ما قمت ولا زيد.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٤٩]]

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ" أَيِ الَّتِي تَقْطَعُ عُذْرَ الْمَحْجُوجِ، وَتُزِيلُ الشَّكَّ عَمَّنْ نَظَرَ فِيهَا. فَحُجَّتُهُ الْبَالِغَةُ عَلَى هَذَا تَبْيِينُهُ أَنَّهُ الْوَاحِدُ، وَإِرْسَالُهُ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ، فَبَيَّنَ التَّوْحِيدَ بِالنَّظَرِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَيَّدَ الرُّسُلَ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَلَزِمَ أَمْرُهُ كُلَّ مُكَلَّفٍ. فَأَمَّا عِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ


(١). من ك.
(٢). من ك.
(٣). من ك.
(٤). من ك.