للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا" قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا اللَّهَ أَلَّا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَةِ «١». وَقِيلَ: الْآيَاتُ بِمَعْنَى الْمُعْجِزَاتِ وَالدَّلَالَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: الْآيَاتُ التِّسْعُ الْعَصَا وَالْيَدُ وَاللِّسَانُ وَالْبَحْرُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ، آيَاتٌ مُفَصَّلَاتٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ والشعبي: الخمس المذكورة في" الأعراف «٢» "، يَعْنِيَانِ الطُّوفَانَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْيَدَ وَالْعَصَا وَالسِّنِينَ وَالنَّقْصَ مِنَ الثَّمَرَاتِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ الْحَسَنِ، إِلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ السِّنِينَ وَالنَّقْصَ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَاحِدَةً، وَجَعَلَ التَّاسِعَةَ تَلْقُّفُ الْعَصَا مَا يَأْفِكُونَ. وَعَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَكَانَ السِّنِينَ وَالنَّقْصِ مِنَ الثَّمَرَاتِ، الْبَحْرَ وَالْجَبَلَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هِيَ الْخَمْسُ الَّتِي فِي [الْأَعْرَافِ] وَالْبَحْرُ وَالْعَصَا وَالْحَجَرُ وَالطَّمْسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْآيَاتِ مُسْتَوْفًى والحمد لله. (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ) أَيْ سَلْهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِهَذِهِ الْآيَاتِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي يُونُسَ «٣». وَهَذَا سُؤَالُ اسْتِفْهَامٍ لِيَعْرِفَ الْيَهُودُ صِحَّةَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) أَيْ سَاحِرًا بِغَرَائِبِ أَفْعَالِكَ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ. فَوَضَعَ الْمَفْعُولَ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ، كَمَا تَقُولُ: هَذَا مَشْئُومٌ وَمَيْمُونٌ، أَيْ شَائِمٌ وَيَامِنٌ. وَقِيلَ مَخْدُوعًا. وَقِيلَ مَغْلُوبًا، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وأبى نهيك أنهما قرءا" فسأل بَنِي إِسْرَائِيلَ" عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ سَأَلَ مُوسَى فِرْعَوْنَ أَنْ يُخَلِّيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُطْلِقَ سَبِيلَهُمْ ويرسلهم معه.

[[سورة الإسراء (١٧): آية ١٠٢]]

قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ) يعنى الآيات التسع. و" أَنْزَلَ" بِمَعْنَى أَوْجَدَ. (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) أَيْ دَلَالَاتٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى قُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ.


(١). راجع ج ١ ص ٤٣٩.
(٢). راجع ج ٧ ص ٢٦٧.
(٣). راجع ج ٨ ص ٣٧٣ فما بعد.