للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(أَبْغُونِي الضَّعِيفَ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ فَلَمَّا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُودُ، فَعَادَتْ «١» يَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَقَالُوا: إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا تَنْصُرُنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَزَمُوا غَطَفَانَ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا" أَيْ بِكَ يَا مُحَمَّدُ، إِلَى قَوْلِهِ:" فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ". قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَمَّا جاءَهُمْ" جَوَابُ" لَمَّا" الْفَاءُ وَمَا بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ:" فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا" في قول الفراء، وجواب" فَلَمَّا" الثَّانِيَةِ" كَفَرُوا". وَقَالَ الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ: جَوَابُ" لَمَّا" مَحْذُوفٌ لِعِلْمِ السَّامِعِ، وَقَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: جواب" فَلَمَّا" في قوله:" كَفَرُوا"، وأعيدت" فَلَمَّا" الثَّانِيَةُ لِطُولِ الْكَلَامِ. وَيُفِيدُ ذَلِكَ تَقْرِيرَ الذَّنْبِ وتأكيدا له.

[[سورة البقرة (٢): آية ٩٠]]

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" بِئْسَمَا اشْتَرَوْا" بِئْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُسْتَوْفِيَةٌ لِلذَّمِّ، كَمَا أَنَّ" نِعْمَ" مُسْتَوْفِيَةٌ لِلْمَدْحِ. وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ: بِئْسَ بَئْسَ بَئِسَ بِئِسَ. نِعْمَ نَعْمَ نَعِمَ نِعِمَ. وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ" مَا" فَاعِلَةُ بِئْسَ، وَلَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَالنَّكِرَاتِ. وَكَذَا نِعْمَ، فَتَقُولُ نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ، وَنِعْمَ رَجُلًا زَيْدٌ، فَإِذَا كَانَ مَعَهَا اسْمٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ فَهُوَ نَصْبٌ أَبَدًا، فَإِذَا كَانَ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ فَهُوَ رَفْعٌ أَبَدًا، وَنَصْبُ رَجُلٍ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَفِي نِعْمَ مُضْمَرٌ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ، وَزَيْدٌ مَرْفُوعٌ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَلَى خَبَرِ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ مَنِ الْمَمْدُوحِ؟ قُلْتَ هُوَ زَيْدٌ، وَالْآخَرُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَا قَبْلَهُ خَبَرُهُ. وَأَجَازَ أَبُو عَلِيٍّ أَنْ تَلِيَهَا" مَا" مَوْصُولَةً وَغَيْرَ مَوْصُولَةٍ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مُبْهَمَةً تقع على الكثرة ولا تخص واحدا


(١). في ب:" فعاذت" بالذال المعجمة.