[[سورة الحشر (٥٩): آية ١٠]]
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) يَعْنِي التَّابِعِينَ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي ليلى: الناس ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ: الْمُهَاجِرُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ. فَاجْهَدْ أَلَّا تَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُنْ شَمْسًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ قَمَرًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ كَوْكَبًا مُضِيئًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ كَوْكَبًا صَغِيرًا، وَمِنْ جِهَةِ النُّورِ لَا تَنْقَطِعُ. وَمَعْنَى هَذَا: كُنْ مُهَاجِرِيًّا. فَإِنْ قُلْتَ: لَا أَجِدُ، فَكُنْ أَنْصَارِيًّا. فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَاعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَأَحِبَّهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ. وَرَوَى مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: النَّاسُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ، فَمَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ مَنْزِلَةٌ، فَأَحْسَنُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَقِيَتْ. وَعَنْ جعفر بن محمد ابن عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي أَنْتَ مِنْ قَوْمٍ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الْآيَةَ. قَالَ لَا! قَالَ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْآيَةِ «١» فَأَنْتَ مِنْ قَوْمٍ قَالَ الله فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ الْآيَةَ. قَالَ لَا قَالَ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ لَتَخْرُجَنَّ مِنَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الْآيَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ محمد ابن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا إِلَيْهِ، فَسَبُّوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- ثُمَّ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَكْثَرُوا، فَقَالَ لَهُمْ: أَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا لَا. فَقَالَ: أَفَمِنَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والايمان من
(١). ما بين المربعين ساقط من س، هـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute