للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ" وَمِنْكُمْ جَائِرٌ" وَكَذَا قَرَأَ عَلِيٌّ" وَمِنْكُمْ" بِالْكَافِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى وَعَنْهَا جَائِرٌ، أَيْ عَنِ السَّبِيلِ. فَ"- مِنْ" بِمَعْنَى عَنْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَنْ أَرَادَ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُ سَهَّلَ لَهُ طَرِيقَ الْإِيمَانِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضِلَّهُ ثَقَّلَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ وَفُرُوعَهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى" قَصْدُ السَّبِيلِ" مَسِيرُكُمْ وَرُجُوعُكُمْ. وَالسَّبِيلُ وَاحِدَةٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَلِذَلِكَ أَنَّثَ الْكِنَايَةَ فَقَالَ:" وَمِنْها" وَالسَّبِيلُ مُؤَنَّثَةٌ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) بَيَّنَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يُصَحِّحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَيَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهَا كما تقدم.

[[سورة النحل (١٦): آية ١٠]]

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠)

الشَّرَابُ مَا يُشْرَبُ، وَالشَّجَرُ مَعْرُوفٌ. أَيْ يُنْبِتُ مِنَ الأمطار أشجارا وعروشا ونباتا. و (تُسِيمُونَ) تَرْعَوْنَ إِبِلَكُمْ، يُقَالُ: سَامَتِ السَّائِمَةُ تَسُومُ سَوْمًا أَيْ رَعَتْ، فَهِيَ سَائِمَةٌ. وَالسَّوَامُ وَالسَّائِمُ بِمَعْنًى، وَهُوَ الْمَالُ الرَّاعِي. وَجَمْعُ السَّائِمِ وَالسَّائِمَةِ سَوَائِمُ. وَأَسَمْتُهَا أَنَا أَيْ أَخْرَجْتُهَا إِلَى الرَّعْيِ، فَأَنَا مُسِيمٌ وَهِيَ مُسَامَةٌ وَسَائِمَةٌ. قَالَ:

أَوْلَى لَكَ ابْنَ مُسِيمَةِ الْأَجْمَالِ «١»

وَأَصْلُ السَّوْمِ الْإِبْعَادُ فِي الْمَرْعَى. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أُخِذَ مِنَ السُّومَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ، أَيْ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الْأَرْضِ عَلَامَاتٌ بِرَعْيِهَا، أَوْ لِأَنَّهَا تُعَلَّمُ لِلْإِرْسَالِ فِي الْمَرْعَى. قُلْتُ: وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ تَكُونُ الْمَرْعِيَّةُ. وَتَكُونُ الْمُعَلَّمَةُ. وَقَوْلُهُ:" مُسَوِّمِينَ" قَالَ الْأَخْفَشُ تَكُونُ مُعَلَّمِينَ وَتَكُونُ مُرْسَلِينَ، مِنْ قَوْلِكَ: سَوَّمَ فِيهَا الْخَيْلَ أَيْ أَرْسَلَهَا، وَمِنْهُ السَّائِمَةُ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ لان الخيل سومت وعليها ركبانها.


(١). هذا عجر بيت، وصدره كما في تفسير الطبري:
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله