للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِلْظَاظُ لُزُومُ الشَّيْءِ وَالْمُثَابَرَةُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: الْإِلْظَاظُ الْإِلْحَاحُ. وَعَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ. أَنَّ رَجُلًا أَلَحَّ فَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ! اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ! فَنُودِيَ: إِنِّي قد سمعت فما حاجتك؟

[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٢٩ الى ٣٠]

يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)

قَوْلُهُ تعالى: (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قِيلَ: الْمَعْنَى يَسْأَلُهُ من في السموات الرَّحْمَةَ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ الرِّزْقَ. وَقَالَ ابْنُ عباس وأبو صالح: أهل السموات يَسْأَلُونَهُ الْمَغْفِرَةَ وَلَا يَسْأَلُونَهُ الرِّزْقَ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَسْأَلُونَهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَتَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ الرِّزْقَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، فَكَانَتِ الْمَسْأَلَتَانِ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ. وَفِي الْحَدِيثِ: (إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَلَكًا لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ [وَجْهٌ «١»] كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِبَنِي آدَمَ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْأَسَدِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِلسِّبَاعِ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الثَّوْرِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِلْبَهَائِمِ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ النَّسْرِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِلطَّيْرِ (. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ الْقُوَّةَ عَلَى الْعِبَادَةِ.) كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) هَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ. وَانْتَصَبَ (كُلَّ يَوْمٍ) ظَرْفًا، لِقَوْلِهِ: (فِي شَأْنٍ) أَوْ ظَرْفًا لِلسُّؤَالِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ (هُوَ فِي شَأْنٍ). وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قَالَ: (مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا وَيَرْفَعَ قَوْمًا «٢» وَيَضَعَ آخَرِينَ). وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قَالَ: (يَغْفِرُ ذَنْبًا وَيَكْشِفُ كَرْبًا وَيُجِيبُ دَاعِيًا). وَقِيلَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْيِيَ وَيُمِيتَ، وَيُعِزَّ وَيُذِلَّ، وَيَرْزُقَ وَيَمْنَعَ. وَقِيلَ: أَرَادَ شَأْنَهُ فِي يَوْمَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ ابْنُ بَحْرٍ: الدَّهْرُ كُلُّهُ يَوْمَانِ، أَحَدُهُمَا مُدَّةُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَالْآخَرُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَشَأْنُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَشَأْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الجزاء والحساب،


(١). الزيادة من ب، ح ز، س، ل، هـ.
(٢). في ب، ح، ز، س، ل، هـ: (أقواما).