للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) أَيْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَالْكِنَايَةُ فِي قَوْلِهِ" وَأَيَّدَهُ" تَرْجِعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالضَّمِيرَانِ يَخْتَلِفَانِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ. (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) أَيْ كَلِمَةَ الشِّرْكِ. (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا) قِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: وَعْدُ النَّصْرِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَعْقُوبُ" وَكَلِمَةُ اللَّهِ" بِالنَّصْبِ حَمْلًا عَلَى" جَعَلَ" وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ بَعِيدَةٌ، قَالَ: لِأَنَّكَ تَقُولُ أَعْتَقَ فُلَانٌ غُلَامَ أَبِيهِ، وَلَا تَقُولُ غُلَامَ أَبِي فُلَانٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا. قَالَ: كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ وَكَلِمَتَهُ هِيَ الْعُلْيَا. قَالَ النَّحَّاسُ: الَّذِي ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ لَا يُشْبِهُ الْآيَةَ، وَلَكِنْ يُشْبِهُهَا مَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ ... نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا

فَهَذَا حَسَنٌ جَيِّدٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، بَلْ يَقُولُ النَّحْوِيُّونَ الْحُذَّاقُ: فِي إِعَادَةِ الذِّكْرِ فِي مِثْلِ هَذَا فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها. وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها" «١» [الزلزلة: ١، ٢] فَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَجَمْعُ الْكَلِمَةِ كَلِمٌ. وَتَمِيمٌ تَقُولُ: هِيَ كِلْمَةٌ بِكَسْرِ الْكَافِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ فِيهَا ثَلَاثَ لُغَاتٍ: كَلِمَةٌ وَكِلْمَةٌ وَكَلْمَةٌ مِثْلَ كَبِدٍ وَكِبْدٍ وَكَبْدٍ، وَوَرِقٍ وَوِرْقٍ وَوَرْقٍ. والكلمة أيضا القصيدة بطولها، قاله الجوهري.

[[سورة التوبة (٩): آية ٤١]]

انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١)

فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رَوَى سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٌ" انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا". وَقَالَ أَبُو الضحا كَذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا.


(١). راجع ج ٢٠ ص ١٤٧.