للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَمِينٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَالْوَكِيلِ إِذَا زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ أَوِ الْمُودَعِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمِينٌ لِلْأَبِ، وَمَتَى ائْتَمَنَهُ الْأَبُ لا يقبل قوله على غير. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَوِ «١» ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ لِزَيْدٍ مَا أَمَرَهُ بِهِ بِعَدَالَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ. وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ هَذَا الْإِشْهَادَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى دَفْعِ الْوَصِيِّ فِي يُسْرِهِ مَا اسْتَقْرَضَهُ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ حَالَةَ فَقْرِهِ. قَالَ عُبَيْدَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ، الْمَعْنَى: فَإِذَا اقْتَرَضْتُمْ أَوْ أَكَلْتُمْ فَأَشْهِدُوا إِذَا غَرِمْتُمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّفْظَ يَعُمُّ هَذَا وَسِوَاهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إِذَا أَنْفَقْتُمْ شيئا على المولى عليه فأشهدوا، حتى لو وَقَعَ خِلَافٌ أَمْكَنَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَالٍ قُبِضَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ بِإِشْهَادٍ لَا يُبْرَأُ مِنْهُ إِلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَفْعِهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: (فَأَشْهِدُوا) فإذ دَفَعَ لِمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِشْهَادٍ فَلَا يَحْتَاجُ فِي دَفْعِهَا لِإِشْهَادٍ إِنْ كَانَ قَبْضُهَا بغير إشهاد. والله أعلم. السادسة عشرة- كَمَا عَلَى الْوَصِيِّ وَالْكَفِيلِ حِفْظُ مَالِ يَتِيمِهِ وَالتَّثْمِيرُ لَهُ، كَذَلِكَ عَلَيْهِ حِفْظُ الصَّبِيِّ فِي بَدَنِهِ. فَالْمَالُ يَحْفَظُهُ بِضَبْطِهِ «٢»، وَالْبَدَنُ يَحْفَظُهُ بِأَدَبِهِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي (الْبَقَرَةِ «٣»). وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا أَآكُلُ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ غَيْرُ مُتَأَثِّلٍ «٤» مَالًا وَلَا وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: (مَا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ). قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مُسْنَدًا فَلَيْسَ يَجِدُ أَحَدٌ عَنْهُ مُلْتَحَدًا «٥». السَّابِعَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) أَيْ كَفَى اللَّهُ حَاسِبًا لِأَعْمَالِكُمْ وَمُجَازِيًا بِهَا. فَفِي هَذَا وَعِيدٌ لِكُلِّ جَاحِدِ حَقٍّ. وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ في موضع رفع.

[[سورة النساء (٤): آية ٧]]

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧)


(١). في ب وى وط وهـ: إذا أدعى أنه دفع إلى إلخ.
(٢). في ب: فيما يضبطه.
(٣). راجع ج ٣ ص ٦٢.
(٤). متأثل: جامع.
(٥). ملتحدا: منصرفا.