يُنْشَدُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا. قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانُوا يَطْلُبُونَ دِيَةً فَيَقْضِي لَهُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَغْنَوْا. ذَكَرَ عِكْرِمَةُ أَنَّهَا كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَيُقَالُ: إِنَّ الْقَتِيلَ كَانَ مَوْلَى الْجُلَاسِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَنْكٍ مِنَ الْعَيْشِ، لَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَحُوزُونَ الْغَنِيمَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْنَوْا بِالْغَنَائِمِ. وَهَذَا الْمَثَلُ مَشْهُورٌ (اتَّقِ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ). قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ: قِيلَ لِلْبَجَلِيِّ أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى اتَّقِ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ،" وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ". الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ) رُوِيَ أَنَّ الْجُلَاسَ قَامَ حِينَ نَزَلَتِ الْآيَةُ فَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى تَوْبَةِ الْكَافِرِ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ الزِّنْدِيقَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لَا تُعْرَفُ، لِأَنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ، وَلَا يُعْلَمُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِقَوْلِهِ. وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْآنَ فِي كُلِّ حِينٍ، يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ يُضْمِرُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ، فَإِذَا عُثِرَ عَلَيْهِ وَقَالَ: تُبْتُ، لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. فَإِذَا جَاءَنَا تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْثَرَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) أَيْ يُعْرِضُوا عَنِ الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ (يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا) فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ. (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ) أَيْ مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ (وَلا نَصِيرٍ) أَيْ مُعِينٍ. وَقَدْ تقدم «١».
[سورة التوبة (٩): الآيات ٧٥ الى ٧٨]
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨)
(١). راجع ج ١ ص ٣٨٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute