للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ ذُرِّيَّاتِهِمْ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَنْهُ، وَتَمَّ الْكَلَامُ. ثم قال الله تعالى:" وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ". وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ الْقَوْمُ بِقَتْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا تَابُوا وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ جَرَى الْقَتْلُ الْعَظِيمُ- كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَقَرَةِ «١» - أَخْبَرَهُمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَتِيلًا فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ بَقِيَ حَيًّا فَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ. وَقِيلَ: كَانَ ثَمَّ طائفة أشربوا في قلوبهم العجل، أحبه، فلم يتوبوا، فهم المعنيون. بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ رُجُوعِ مُوسَى مِنَ الْمِيقَاتِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَوْلَادَهُمْ. وَهُوَ مَا جَرَى عَلَى قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، أَيْ سَيَنَالُ أَوْلَادَهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) أَيْ مِثْلَ مَا فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ نَفْعَلُ بِالْمُفْتَرِينَ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: مَا مِنْ مُبْتَدِعٍ إِلَّا وَتَجِدُ فَوْقَ رَأْسِهِ ذِلَّةٌ، ثُمَّ قَرَأَ" إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ"- حَتَّى قَالَ-" وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ" أَيِ الْمُبْتَدِعِينَ. وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى أُمِرَ بِذَبْحِ الْعِجْلِ، فَجَرَى مِنْهُ دَمٌ وَبَرَدَهُ بِالْمِبْرَدِ وَأَلْقَاهُ مَعَ الدَّمِ فِي الْيَمِّ وَأَمَرَهُمْ بِالشُّرْبِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَمَنْ عَبَدَ ذَلِكَ الْعِجْلَ وَأُشْرِبَهُ «٢» ظَهَرَ ذَلِكَ عَلَى أَطْرَافِ فَمِهِ، فَبِذَلِكَ عرف عبدة العجل قد مَضَى هَذَا فِي الْبَقَرَةِ ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ التَّائِبِ مِنَ الشرك وغيره. موضع (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ) أَيِ الْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي. (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها) أَيْ مِنْ بَعْدِ فِعْلِهَا. (وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي من بعد التوبة لغفور رحيم.

[[سورة الأعراف (٧): آية ١٥٤]]

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) أَيْ سَكَنَ. وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ" سَكَنَ" بِالنُّونِ وَأَصْلُ السُّكُوتِ السُّكُونُ وَالْإِمْسَاكُ، يقال: جرى الوادي ثلاثا


(١). راجع ج ١ ص ٤٠١.
(٢). في ك: وشربه. ولعل أصل العبارة: اشربه وظهر. إلخ. راجع ج ٢ ص ٣١.