للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الرُّوحُ الطَّاهِرَةُ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ" وَرُوحٌ مِنْهُ" «١»] النساء: ١٧١] الثَّانِي: أَنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «٢». (تُكَلِّمُ النَّاسَ) يَعْنِي وَتُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، وَفِي الْكُهُولَةِ نَبِيًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي هَذَا فِي] آلِ عِمْرَانَ [«٣» فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ." كَفَفْتُ" مَعْنَاهُ دَفَعَتُ وَصَرَّفَتُ" بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ" حِينَ هَمُّوا بِقَتْلِكَ." إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ" أَيِ الدَّلَالَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ. (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يَعْنِي الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَ وَجَحَدُوا نُبُوَّتَكَ. (إِنْ هَذَا) أَيِ الْمُعْجِزَاتِ. (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). وقرا حمزة والكسائي" لَساحِرٌ" أَيْ إِنْ هَذَا الرَّجُلُ إِلَّا سَاحِرٌ قَوِيٌّ على السحر.

[[سورة المائدة (٥): آية ١١١]]

وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْآيَةِ «٤». وَالْوَحْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ الْإِلْهَامُ وَيَكُونُ عَلَى أَقْسَامٍ: وَحْيٌ بِمَعْنَى إِرْسَالِ جِبْرِيلَ إِلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَوَحْيٌ بِمَعْنَى الْإِلْهَامِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَيِ أَلْهَمْتُهُمْ وَقَذَفْتُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ" «٥»] النحل: ٦٨] " وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى " «٦»] القصص: ٧] وَوَحْيٌ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ فِي الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ. قَالَ أبو عبيدة: أوحيت بمعنى أمرت، و" إِلَى" صِلَةٌ يُقَالُ: وَحَى وَأَوْحَى بِمَعْنًى، قَالَ اللَّهُ تعالى:" بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها" «٧»] الزلزلة: ٥] وقال العجاج:

وحى لها القرار فاستقرت «٨»

أَيْ أَمَرَهَا بِالْقَرَارِ فَاسْتَقَرَّتْ. وَقِيلَ:" أَوْحَيْتُ" هُنَا بِمَعْنَى أَمَرْتُهُمْ. وَقِيلَ: بَيَّنْتُ لَهُمْ. (وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) عَلَى الْأَصْلِ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَحْذِفُ إِحْدَى النُّونَيْنِ، أَيْ وَاشْهَدْ يَا رَبِّ. وَقِيلَ: يا عيسى بأننا مسلمون لله.


(١). راجع ص ٢٢ من هذا الجزء.
(٢). راجع ج ٢ ص ٤٤.
(٣). راجع ج ٤ ص ٩٠ وص ٩٧. وما بعدها.
(٤). راجع ج ٤ ص ٩٠ وص ٩٧. وما بعدها.
(٥). راجع ج ١٠ ص ١٣٣.
(٦). راجع ج ١١ ص ٢٥٠.
(٧). راجع ج ٢٠ ص ١٤٩.
(٨). أي الأرض، وصدر البيت:
بإذنه الأرض وما تعتت