للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْدَ الْغُرَابِ التُّدْرُجَ «١» وَكَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّجَاجِ، وَقَالَ: إِيَّاكَ أَنْ تَعْتَذِرَ، فَأَصَابَ الْخُضْرَةَ وَالْفُرْجَةَ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَأَخَذَ أَوْلَادَهُ عِنْدَهُ رَهْنًا إِلَى يوم القيامة.

[سورة هود (١١): الآيات ٤٥ الى ٤٧]

وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧)

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) أَيْ دَعَاهُ. (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أَيْ مِنْ أَهْلِي الَّذِينَ وَعَدْتُهُمْ أَنْ تُنَجِّيَهُمْ مِنَ الْغَرَقِ، فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ. (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) يَعْنِي الصِّدْقَ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَإِنَّمَا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ ابْنَهُ لِقَوْلِهِ:" وَأَهْلَكَ" وَتَرَكَ قوله:" إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ" [هود: ٤٠] فَلَمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ:" رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي" يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قوله:" وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ" أَيْ لَا تَكُنْ مِمَّنْ لَسْتَ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مُؤْمِنًا فِي ظَنِّهِ، وَلَمْ يَكُ نُوحٌ يَقُولُ لِرَبِّهِ:" إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي" إِلَّا وَذَلِكَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَسْأَلَ هَلَاكَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ يَسْأَلُ فِي إِنْجَاءِ بَعْضِهِمْ، وَكَانَ ابْنُهُ يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نُوحًا بِمَا هُوَ مُنْفَرِدٌ بِهِ مِنْ عِلْمِ الْغُيُوبِ، أَيْ عَلِمْتُ مِنْ حَالِ ابْنِكَ مَا لَمْ تَعْلَمْهُ أَنْتَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مُنَافِقًا، وَلِذَلِكَ اسْتَحَلَّ نُوحٌ أَنْ يُنَادِيَهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا: كَانَ ابْنُ امْرَأَتِهِ، دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ" وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهَا". (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. أَيْ حَكَمْتَ عَلَى قوم بالنجاة، وعلى قوم بالغرق.


(١). التدرج كحبرج: طائر يغرد في البساتين بأصوات طيبه، وموطنه بلاد فارس. (حياة الحيوان)