عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ سَيْحُونَ وَهُوَ نَهْرُ الْهِنْدِ، وَجَيْحُونَ وَهُوَ نَهْرُ بَلْخٍ، وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ وَهُمَا نَهْرَا الْعِرَاقِ، وَالنِّيلَ وَهُوَ نَهْرُ مِصْرَ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ فِي أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا عَلَى جَنَاحَيْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاسْتَوْدَعَهَا الْجِبَالَ وَأَجْرَاهَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ فِي أَصْنَافِ مَعَايِشِهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:" وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ" فَإِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جِبْرِيلَ فَرَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَجَمِيعَ الْأَنْهَارِ الْخَمْسَةِ فَيَرْفَعُ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ" فَإِذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنَ الْأَرْضِ فَقَدَ أَهْلُهَا خَيْرَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا (. الرَّابِعَةُ- كُلُّ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مُخْتَزَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُخْتَزَنٍ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهَّرٌ يُغْتَسَلُ بِهِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ، عَلَى مَا يأتي في" الفرقان «١» " بيانه.
[[سورة المؤمنون (٢٣): آية ١٩]]
فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَنْشَأْنا) أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ سَبَبَ النَّبَاتِ، وَأَوْجَدْنَاهُ بِهِ وَخَلَقْنَاهُ. وَذَكَرَ تَعَالَى النَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ، لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ الْحِجَازِ بِالطَّائِفِ وَالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمَا، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَلِأَنَّهَا أَيْضًا أَشْرَفُ الثِّمَارِ، فَذَكَرَهَا تَشْرِيفًا لَهَا وَتَنْبِيهًا عَلَيْهَا. (لَكُمْ فِيها) ١٠ أَيْ فِي الْجَنَّاتِ. (فَواكِهُ) مِنْ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ خَاصَّةً إِذْ فِيهَا مَرَاتِبُ وَأَنْوَاعُ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ لِسَائِرِ الثَّمَرَاتِ. الثَّانِيَةُ- مَنْ حَلَفَ أَلَّا يأكل فاكهة، ففي الرِّوَايَةِ عِنْدَنَا يَحْنَثُ بِالْبَاقِلَاءِ الْخَضْرَاءِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ والخيار والجزر، لأنها من القبول لَا مِنَ الْفَاكِهَةِ. وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مِنَ الْفَاكِهَةِ.
(١). راجع ج ١٣ ص ٣٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute