للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَرَسُولُهُ، عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ، وَاللَّهُ افْتِتَاحُ كَلَامٍ، كَمَا تقول: ما شاء الله وشيت. قَالَ النَّحَّاسُ: قَوْلُ سِيبَوَيْهِ أَوْلَاهَا، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وشيت، ولا يقدر في شي تَقْدِيمٌ وَلَا تَأْخِيرٌ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَقِيلَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رِضَاهُ فِي رِضَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ:" مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ «١» اللَّهَ" [النساء ٨٠]. وكان الربيع ابن خَيْثَمٍ إِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَفَ، ثُمَّ يَقُولُ: حَرْفٌ وَأَيُّمَا حَرْفٍ فُوِّضَ إِلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنَا إِلَّا بِخَيْرٍ. الثَّالِثَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبُولَ يَمِينِ الْحَالِفِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمِ الْمَحْلُوفَ لَهُ الرِّضَا. وَالْيَمِينُ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي. وَتَضَمَّنَتْ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسْبَ [مَا تَقَدَّمَ «٢»]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَلَفَ فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ فَلْيُصَدِّقْ). وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الْأَيْمَانِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا مُسْتَوْفًى فِي المائدة «٣».

[[سورة التوبة (٩): آية ٦٣]]

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا) يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ وَالْحَسَنُ" تَعْلَمُوا" بِالتَّاءِ على الخطاب. (أَنَّهُ) في موضع نصب بيعلموا، وَالْهَاءُ كِنَايَةُ عَنِ الْحَدِيثِ. (مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ. وَالْمُحَادَّةُ: وُقُوعُ هَذَا فِي حَدٍّ وَذَاكَ فِي حَدٍّ، كَالْمُشَاقَّةِ. يُقَالُ: حَادَّ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ صَارَ فِي حَدٍّ غَيْرِ حَدِّهِ. (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) يُقَالُ: مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِي الشَّرْطِ مُبْتَدَأٌ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ" فَإِنَّ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَقَدْ أَجَازَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ" فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ" بالكسر. قال سيبويه: وهو جيد وأنشد:


(١). راجع ج ٥ ص ٢٨٨.
(٢). من هـ.
(٣). راجع ج ٦ ص ٢٦٤.