قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) لَا مُنَاقَشَةَ فِيهِ. كَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ) قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً
فَقَالَ:" لَيْسَ ذَاكَ الْحِسَابَ، إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أَزْوَاجِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَسْرُوراً أَيْ مُغْتَبِطًا قَرِيرَ الْعَيْنِ. وَيُقَالُ إِنَّهَا نَزَلَتْ في أبي سلمة ابن عَبْدِ الْأَسَدِ، هُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: إِلَى أَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي الدُّنْيَا، لِيُخْبِرَهُمْ بِخَلَاصِهِ وَسَلَامَتِهِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ قَتَادَةَ. أَيْ إِلَى أَهْلِهِ الَّذِينَ قد أعدهم الله له في الجنة.
[سورة الانشقاق (٨٤): الآيات ١٠ الى ١٥]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)
بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) نَزَلَتْ فِي الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ أَخِي أَبِي سلمة قاله ابْنُ عَبَّاسٍ. ثُمَّ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَمُدُّ يَدَهُ الْيُمْنَى لِيَأْخُذَ كِتَابَهُ فَيَجْذِبُهُ مَلَكٌ، فَيَخْلَعُ يَمِينَهُ، فَيَأْخُذُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: يُفَكُّ أَلْوَاحَ صَدْرِهِ وَعِظَامِهِ ثُمَّ تُدْخَلُ يَدُهُ وَتُخْرَجُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَيَأْخُذُ كِتَابَهُ كذلك. (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) أَيْ بِالْهَلَاكِ فَيَقُولُ: يَا وَيْلَاهُ، يَا ثُبُورَاهُ. (وَيَصْلى سَعِيراً) أَيْ وَيَدْخُلُ النَّارَ حَتَّى يَصْلَى بَحَرِّهَا. وَقَرَأَ الْحِرْمِيَانُ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ (وَيُصْلَى) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، كقوله تعالى: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة: ٣١] وقوله: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة: ٩٤]. الْبَاقُونَ وَيَصْلى بِفَتْحِ الْيَاءِ مُخَفَّفًا، فِعْلٌ لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، لِقَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ [الصافات: ١٦٣] وقوله: يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى [الأعلى: ١٢] وقوله: ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ [المطففين: ١٦]. وَقِرَاءَةٌ ثَالِثَةٌ رَوَاهَا أَبَانٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute