للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" آلِ عِمْرَانَ" «١» كَيْفِيَّةُ الِاسْتِغْفَارِ، وَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَنْ إِخْلَاصٍ وَإِقْلَاعٍ مِنَ الذُّنُوبِ. وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الإجابة.

[سورة نوح (٧١): الآيات ١٣ الى ١٤]

مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤)

قِيلَ: الرَّجَاءُ هُنَا بِمَعْنَى الْخَوْفِ، أي مالكم لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً وَقُدْرَةً عَلَى أَحَدِكُمْ بِالْعُقُوبَةِ. أَيْ أَيُّ عُذْرٍ لَكُمْ فِي تَرْكِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وأبو العالية وعطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ ثَوَابًا وَلَا تَخَافُونَ لَهُ عِقَابًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مالكم لَا تَخْشَوْنَ لِلَّهِ عِقَابًا وَتَرْجُونَ مِنْهُ ثَوَابًا. وَقَالَ الْوَالِبِيُّ وَالْعَوْفِيُّ عَنْهُ: مَا لَكُمْ لَا تَعْلَمُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا ومجاهد: مالكم لَا تَرَوْنَ لِلَّهِ عَظَمَةً. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ: مَا لَكُمْ لَا تُبَالُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. قَالَ قُطْرُبٌ: هَذِهِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ. وَهُذَيْلٌ وَخُزَاعَةُ وَمُضَرُ يَقُولُونَ: لَمْ أَرْجُ: لَمْ أُبَالِ. وَالْوَقَارُ: الْعَظَمَةُ. وَالتَّوْقِيرُ: التَّعْظِيمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةً، كَأَنَّ الْمَعْنَى مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةَ الْإِيمَانِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ أَنْ يُثِيبَكُمْ عَلَى تَوْقِيرِكُمْ خَيْرًا. وقال ابن زيد: مالكم لا تؤدون لله طاعة. وقال الحسن: مالكم لَا تَعْرِفُونَ لِلَّهِ حَقًّا وَلَا تَشْكُرُونَ لَهُ نعمة. وقيل: مالكم لَا تُوَحِّدُونَ اللَّهَ، لِأَنَّ مَنْ عَظَّمَهُ فَقَدْ وَحَّدَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الْوَقَارَ الثَّبَاتُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ «٢» [الأحزاب: ٣٣] أَيِ اثْبُتْنَ. وَمَعْنَاهُ مَا لَكُمْ لَا تُثْبِتُونَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ إِلَهُكُمْ لَا إِلَهَ لَكُمْ سِوَاهُ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) أَيْ جَعَلَ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ آيَةً تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَطْواراً يَعْنِي نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً، أَيْ طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ إِلَى تَمَامِ الْخَلْقِ، كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ" الْمُؤْمِنُونَ" «٣». وَالطَّوْرُ فِي اللُّغَةِ: الْمَرَّةُ، أَيْ مَنْ فَعَلَ هَذَا وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ تُعَظِّمُوهُ. وَقِيلَ: أَطْواراً صِبْيَانًا، ثُمَّ شَبَابًا، ثم شيوخا وضعفاء، ثم أقوياء.


(١). راجع ج ٤ ص ٣٩.
(٢). راجع ج ١٤ ص ١٧٨. [ ..... ]
(٣). راجع ج ١٢ ص ١٠٨.