للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) " لِنَعْلَمَ" عِبَارَةٌ عَنْ خُرُوجِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إِلَى الْوُجُودِ وَمُشَاهَدَتِهِ، وَهَذَا عَلَى نَحْوِ كَلَامِ الْعَرَبِ، أي نعلم ذلك موجودا، إلا فَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَيَّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى الْأَمَدَ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ" لِيَعْلَمَ" بِالْيَاءِ. وَالْحِزْبَانِ الْفَرِيقَانِ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْحِزْبَ الْوَاحِدَ هُمُ الْفِتْيَةُ إِذْ ظَنُّوا لُبْثَهُمْ قَلِيلًا. وَالْحِزْبُ الثَّانِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ بُعِثَ الْفِتْيَةُ عَلَى عَهْدِهِمْ، حِينَ كَانَ عِنْدَهُمُ التَّارِيخُ لِأَمْرِ الْفِتْيَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُمَا حِزْبَانِ مِنَ الْكَافِرِينَ، اخْتَلَفَا فِي مُدَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ. وَقِيلَ: هُمَا حِزْبَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَرْتَبِطُ بِأَلْفَاظِ الآية. و" أَحْصى " فعل ماض. و" أَمَداً" نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِلُبْثِهِمْ فِي الْأَمَدِ، وَالْأَمَدُ الْغَايَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:" أَمَداً" نصب مَعْنَاهُ عَدَدًا، وَهَذَا تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيبِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ:" أَمَداً" مَنْصُوبٌ بِ" لَبِثُوا". ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا غَيْرُ مُتَّجِهٍ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ فَيَلْحَقُهُ مِنْ الِاخْتِلَالِ أَنَّ أَفْعَلَ لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلٍ رباعي إلا في الشاذ، و" أَحْصى " فِعْلٌ رُبَاعِيٌّ. وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَفْعَلَ فِي الرُّبَاعِيِّ قَدْ كَثُرَ، كَقَوْلِكَ: مَا أَعْطَاهُ لِلْمَالِ وَآتَاهُ لِلْخَيْرِ. وَقَالَ فِي صِفَةِ حَوْضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ". وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فهو لما سواها أضيع.

[[سورة الكهف (١٨): آية ١٣]]

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ) لَمَّا اقْتَضَى قَوْلُهُ تَعَالَى" لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى " اخْتِلَافًا وَقَعَ فِي أَمَدِ الْفِتْيَةِ، عَقَّبَ بِالْخَبَرِ عَنْ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهِمْ بِالْحَقِّ الَّذِي وَقَعَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) أَيْ شَبَابٌ وَأَحْدَاثٌ حَكَمَ لَهُمْ بِالْفُتُوَّةِ حِينَ آمَنُوا بِلَا وَاسِطَةٍ، كَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ اللِّسَانِ: رَأْسُ الْفُتُوَّةِ الْإِيمَانُ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: الْفُتُوَّةُ بَذْلُ النَّدَى وَكَفُّ الْأَذَى وَتَرْكُ الشَّكْوَى. وَقِيلَ: الْفُتُوَّةُ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَاسْتِعْجَالُ الْمَكَارِمِ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. وَهَذَا الْقَوْلُ حَسَنٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ يَعُمُّ بِالْمَعْنَى جَمِيعَ مَا قِيلَ فِي الْفُتُوَّةِ.