للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة النحل (١٦): آية ٧٨]]

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) ذَكَرَ أَنَّ مِنْ نِعَمِهِ أَنْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ أَطْفَالًا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِشَيْءٍ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا- لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا مِمَّا أُخِذَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمِيثَاقِ فِي أَصْلَابِ آبَائِكُمْ. الثَّانِي- لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا مِمَّا قُضِيَ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ. الثَّالِثُ- لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِكُمْ، وتم الكلام، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أَيِ الَّتِي تَعْلَمُونَ بِهَا وَتُدْرِكُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْبُطُونِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُمْ، أَيْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ لِتَسْمَعُوا بِهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْأَبْصَارَ لِتُبْصِرُوا بِهَا آثَارَ صُنْعِهِ، وَالْأَفْئِدَةَ لِتَصِلُوا بِهَا إِلَى مَعْرِفَتِهِ." وَالْأَفْئِدَةَ" جَمْعُ الْفُؤَادِ نَحْوَ غُرَابٍ وَأَغْرِبَةٍ. وَقَدْ قِيلَ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ:" وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ" إِثْبَاتُ النُّطْقِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَإِذَا وُجِدَتْ حَاسَّةُ السَّمْعِ وُجِدَ النُّطْقُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ" أُمَّهاتِكُمْ" هُنَا وَفِي النُّورِ «١» وَالزُّمَرِ «٢» وَالنَّجْمِ «٣»، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ. وَأَمَّا الْكِسَائِيُّ فَكَسَرَ الْهَمْزَةَ وَفَتَحَ الْمِيمَ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِلْإِتْبَاعِ. الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْأَصْلِ. وَأَصْلُ الْأُمَّهَاتِ: أُمَّاتٌ، فَزِيدَتِ الْهَاءُ تَأْكِيدًا كَمَا زَادُوا هَاءً فِي أَهْرَقْتُ الْمَاءَ وَأَصْلُهُ أَرَقْتُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْفَاتِحَةِ «٤» ". (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: تَشْكُرُونَ نِعَمَهُ. الثَّانِي- يَعْنِي تُبْصِرُونَ آثَارَ صَنْعَتِهِ، لِأَنَّ إِبْصَارَهَا يُؤَدِّي إلى الشكر.

[[سورة النحل (١٦): آية ٧٩]]

أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩)


(١). راجع ج ١٢ ص ٣١١.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٢٣٤.
(٣). راجع ج ١٧ ص ١٠٥. [ ..... ]
(٤). راجع ج ١ ص ١٤٨.