للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَعَادُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ بِالصَّغَارِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقَدْ حَلَّ الْعِقَابُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَرَّتَيْنِ عَلَى أَيْدِي الْكُفَّارِ، وَمَرَّةً عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا حِينَ عَادُوا فَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ قَوْلُ قَتَادَةَ. (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أَيْ مَحْبِسًا وَسِجْنًا، مِنَ الْحَصْرِ وَهُوَ الْحَبْسُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ حَصَرَهُ يَحْصُرُهُ حَصْرًا ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَأَحَاطَ بِهِ. وَالْحَصِيرُ: الضَّيِّقُ الْبَخِيلُ. وَالْحَصِيرُ: الْبَارِيَّةُ. وَالْحَصِيرُ: الْجَنْبُ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ مَا بَيْنَ الْعِرْقِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ مُعْتَرِضًا فَمَا فَوْقَهُ إِلَى مُنْقَطِعِ الْجَنْبِ. وَالْحَصِيرُ: الْمِلْكُ، لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ. قَالَ لَبِيدٌ:

وَقُمَاقِمٍ غُلْبِ الرِّقَابِ كَأَنَّهُمْ ... جِنٌّ لَدَى بَابِ الْحَصِيرِ قِيَامُ

وَيُرْوَى «١»:

وَمَقَامَةٍ غُلْبِ الرِّقَابِ ...

عَلَى أَنْ يَكُونَ" غُلْبُ" بَدَلًا مِنْ" مَقَامَةٍ" كَأَنَّهُ قَالَ: وَرُبَّ غُلْبِ الرِّقَابِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ:

لَدَى طَرَفِ الْحَصِيرِ قِيَامُ

أَيْ عِنْدَ طَرَفِ الْبِسَاطِ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. وَالْحَصِيرُ: الْمَحْبِسُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً". قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَيُقَالُ للذي يفرش حصير، لِحَصْرِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ بِالنَّسْجِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ فِرَاشًا وَمِهَادًا، ذَهَبَ إِلَى الْحَصِيرِ الَّذِي يُفْرَشُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْبِسَاطَ الصَّغِيرَ حَصِيرًا. قال الثعلبي: وهو وجه حسن.

[سورة الإسراء (١٧): الآيات ٩ الى ١٠]

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) لَمَّا ذَكَرَ الْمِعْرَاجَ ذَكَرَ مَا قَضَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَيَّنَ أن الكتاب الذي


(١). في هامش ج: قال الشيخ المصنف: ويروى: وعصابة.