[[سورة الفتح (٤٨): آية ١٦]]
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ" أَيْ قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ." سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُمْ فَارِسُ. وَقَالَ كَعْبٌ وَالْحَسَنُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: الرُّومُ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هَوَازِنُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُقَاتِلٌ: بَنُو حَنِيفَةَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ. وَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ فِيمَا مَضَى" سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" فَلَا نَعْلَمُ مَنْ هُمْ حَتَّى دَعَانَا أَبُو بَكْرٍ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ هُمْ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدُ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَرُدُّهُ. الثَّانِيَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَعُمَرَ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَأَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ إِنَّ ذَلِكَ فِي هَوَازِنَ وَغَطَفَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَا، لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي لَهُمُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّهُ قَالَ" لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا" «١» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّاعِي غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ فَالْمَعْنَى لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا مَا دُمْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَرَضِ الْقُلُوبِ وَالِاضْطِرَابِ فِي الدِّينِ.
(١). آية ٨٣ سورة التوبة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute