النُّطْفَةِ. وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا فِي إِثْبَاتِ سُؤَالِ الْقَبْرِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِلرُّوحِ دُونَ الْجَسَدِ فَمَا مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ؟ وَالرُّوحُ عِنْدَ مَنْ يَقْصُرُ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ عَلَى الْأَرْوَاحِ لَا تَمُوتُ وَلَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تَفْسُدُ، وَهُوَ حَيٌّ لِنَفْسِهِ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ مَوْتٌ وَلَا غَشْيَةٌ وَلَا فَنَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:" رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ... " الْآيَةَ قَالَ: خَلَقَهُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ وَأَخْرَجَهُمْ وَأَحْيَاهُمْ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَمَاتَهُمْ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ" «١»." فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا" اعْتَرَفُوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ الِاعْتِرَافُ وَنَدِمُوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ." فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ" أَيْ هَلْ نُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا لِنَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ، نَظِيرُهُ:" هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ" [الشورى: ٤٤] وقوله:" فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً" [السجدة: ١٢] وقوله:" يا لَيْتَنا نُرَدُّ" [الأنعام: ٢٧] الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ"" ذلِكُمْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيِ الْأَمْرُ" ذَلِكُمْ" أَوْ" ذَلِكُمُ" الْعَذَابُ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ بِكُفْرِكُمْ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ تَقْدِيرُهُ فَأُجِيبُوا بِأَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى الرَّدِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ" إِذا دُعِيَ اللَّهُ" أَيْ وُحِّدَ اللَّهُ" وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ" وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الْأُلُوهِيَّةُ لَهُ خَاصَّةً، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مُشْرِكٌ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِقَوْلِهِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ:" وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ" بَعْدَ الرَّدِّ إِلَى الدُّنْيَا لَوْ كَانَ بِهِ" تُؤْمِنُوا" تُصَدِّقُوا الْمُشْرِكَ، نَظِيرُهُ:" وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ"" فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ" عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ صاحبة أو ولد.
[سورة غافر (٤٠): الآيات ١٣ الى ١٧]
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لَا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧)
(١). راجع ج ١ ص ٢٤٩ طبعة ثانية أو ثالثة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute