للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ فَأَذِنَ لَهُ. وَأَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنَّ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ قَدْ تَحَصَّلَ لَهُمْ بِهَذِهِ الْقَفْلَةِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهَا غَزْوَةٌ). هَذَا تَفْسِيرُ الْجُمْهُورِ لِهَذِهِ الْآيَةِ. وَشَذَّ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَا: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ قَوْلِهِ:" الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ"- إِلَى قوله:-" عَظِيمٍ" [آل عمران: ١٧٤ - ١٧٣] إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ الصُّغْرَى. وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ فِي أُحُدٍ، إِذْ قَالَ: مَوْعِدُنَا بَدْرٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا نَعَمْ) فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ، وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ دَرَاهِمَ، وَقَرُبَ مِنْ بَدْرٍ فَجَاءَهُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدِ اجْتَمَعَتْ وَأَقْبَلَتْ لِحَرْبِهِ هِيَ وَمَنِ انْضَافَ إِلَيْهَا، فَأَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا:" حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" فَصَمَّمُوا «١» حَتَّى أَتَوْا بَدْرًا فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا، وَوَجَدُوا السُّوقَ فَاشْتَرَوْا بِدَرَاهِمِهِمْ أُدْمًا وَتِجَارَةً، وَانْقَلَبُوا وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا، وَرَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ، فلذلك قول تَعَالَى:" فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ" أَيْ وفضل في تلك التجارات. والله أعلم.

[[سورة آل عمران (٣): آية ١٧٣]]

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)

اختلف فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ: هُوَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ. وَاللَّفْظُ عَامٌّ وَمَعْنَاهُ خَاصٌّ، كقوله:" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ" [النساء: ٥٤] «٢» يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. السُّدِّيُّ: هُوَ أَعْرَابِيٌّ جُعِلَ لَهُ جُعْلٌ عَلَى ذَلِكَ. وقال ابن إسحاق وجماعة: يريد الناس رَكْبَ عَبْدِ الْقَيْسِ، مَرُّوا بِأَبِي سُفْيَانَ فَدَسَّهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ لِيُثَبِّطُوهُمْ. وَقِيلَ: النَّاسُ هُنَا الْمُنَافِقُونَ. قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا تَجَهَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِلْمَسِيرِ إِلَى بَدْرٍ الصُّغْرَى لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ أَتَاهُمُ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: نَحْنُ أصحابكم الذين


(١). صمم في السير وغيره: مضى.
(٢). راجع ج ٥ ص ٢٥٠.