للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) " هِيَ" كِنَايَةٌ عَنِ الدُّنْيَا، أَيْ مَا الْحَيَاةُ إِلَّا مَا نَحْنُ فِيهِ لَا الْحَيَاةُ الْآخِرَةُ الَّتِي تَعِدُنَا بَعْدَ الْبَعْثِ. (نَمُوتُ وَنَحْيا) يُقَالُ: كَيْفَ قَالُوا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ؟ فَفِي هَذَا أَجْوِبَةٌ، مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: نَكُونُ مَوَاتًا، أَيْ نُطَفًا ثُمَّ نَحْيَا فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَحْيَا فِيهَا ونموت، كما قال:" وَاسْجُدِي وَارْكَعِي «١» " [آل عمران: ٤٣]. وَقِيلَ:" نَمُوتُ" يَعْنِي الْآبَاءَ،" وَنَحْيا" يَعْنِي الْأَوْلَادَ. (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) أي بعد الموت.

[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٣٨ الى ٤١]

إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ) يعنون الرسول. إلا رجل (افْتَرى) أَيِ اخْتَلَقَ. (عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ. قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) تَقَدَّمَ. (قالَ عَمَّا قَلِيلٍ) ٤٠ أَيْ عَنْ قَلِيلٍ، وَ" مَا" زَائِدَةٌ مُؤَكَّدَةٌ. (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) ٤٠ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَاللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، أَيْ وَاللَّهِ لَيُصْبِحُنَّ. (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) فِي التَّفَاسِيرِ: صَاحَ بِهِمْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَعَ الرِّيحِ الَّتِي أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ. (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) أَيْ هَلْكَى هَامِدِينَ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَهُوَ مَا يَحْمِلُهُ مِنْ بَالِي الشَّجَرِ مِنَ الْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ مِمَّا يَبِسَ وَتَفَتَّتَ. (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أَيْ هَلَاكًا لَهُمْ. وَقِيلَ بُعْدًا لَهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ. وَمِثْلُهُ سَقْيًا له ورعيا.

[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٤٢ الى ٤٤]

ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ مَا جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)


(١). راجع ج ٤ ص ٨٤ فما بعد.