للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) " مُخْتَلِفاً" نُصِبَ على الحال. و" أَلْوانُهُ" هَيْئَاتُهُ وَمَنَاظِرُهُ، يَعْنِي الدَّوَابَّ وَالشَّجَرَ وَغَيْرَهَا. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أَيْ فِي اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا. (لَآيَةً) أَيْ لَعِبْرَةً. (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) أَيْ يَتَّعِظُونَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ فِي تَسْخِيرِ هَذِهِ الْمُكَوَّنَاتِ لَعَلَامَاتٌ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذلك أحد غيره.

[[سورة النحل (١٦): آية ١٤]]

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)

فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) تَسْخِيرُ الْبَحْرِ هُوَ تَمْكِينُ الْبَشَرِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَتَذْلِيلِهِ بِالرُّكُوبِ وَالْإِرْفَاءِ وَغَيْرِهِ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا، فَلَوْ شَاءَ سَلَّطَهُ عَلَيْنَا وَأَغْرَقَنَا وَقَدْ مَضَى الكلام في البحر «١» وفى صيده. سَمَّاهُ هُنَا لَحْمًا وَاللُّحُومُ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ: فَلَحْمُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ، وَلَحْمُ ذَوَاتِ الرِّيشِ جِنْسٌ، وَلَحْمُ ذَوَاتِ الْمَاءِ جِنْسٌ. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ وَالْوَحْشِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ مُتَفَاضِلًا، وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْوَحْشِ وَالسَّمَكِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اللَّحْمُ كُلُّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ كَأُصُولِهَا، فَلَحْمُ الْبَقَرِ صِنْفٌ، وَلَحْمُ الْغَنَمِ صِنْفٌ، وَلَحْمُ الْإِبِلِ صِنْفٌ، وَكَذَلِكَ الْوَحْشُ مُخْتَلِفٌ، كَذَلِكَ الطَّيْرُ، وَكَذَلِكَ السَّمَكُ، وَهُوَ جحد قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْكُلَّ مِنَ النَّعَمِ وَالصَّيْدِ وَالطَّيْرِ وَالسَّمَكِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ. وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ أَسْمَاءِ الْأَنْعَامِ فِي حَيَاتِهَا فَقَالَ:" ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ «٢» "


(١). راجع ج ١ ص ٢٨٨.
(٢). راجع ج ٧ ص ١١٣.