للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وأصحاب الشافعي والمعتزلة، لقول تَعَالَى:" لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً «١» ". وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ: إِلَّا فِيمَا قُصَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْهُمْ مِمَّا لم يأت من كِتَابِكُمْ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ الْعَوَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةِ" ص" فَقَالَ: سَأَلْتُ ابن عباس عن سجدة" ص" فقال: أو تقرأ" وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ" إِلَى قَوْلِهِ" أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ"؟ وَكَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ. الثَّانِيَةُ- قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" اقْتَدِ قُلْ" بِغَيْرِ هَاءٍ فِي الْوَصْلِ. وقرا ابن عامر" اقتد هي قُلْ". قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَحْنٌ، لِأَنَّ الْهَاءَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فِي الْوَقْفِ وَلَيْسَتْ بِهَاءِ إِضْمَارٍ وَلَا بَعْدَهَا وَاوٌ وَلَا يَاءٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لا يجوز" فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ". وَمَنِ اجْتَنَبَ اللَّحْنَ وَاتَّبَعَ السَّوَادَ قَرَأَ" فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ" فَوَقَفَ وَلَمْ يَصِلْ، لِأَنَّهُ إِنْ وَصَلَ بِالْهَاءِ لَحَنَ وَإِنْ حَذَفَهَا خَالَفَ السَّوَادَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْهَاءِ فِي الْوَصْلِ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ وَعَلَى نِيَّةِ الْإِدْرَاجِ اتِّبَاعًا لِثَبَاتِهَا فِي الْخَطِّ. وَقَرَأَ ابْنُ عَيَّاشٍ وَهِشَامٌ" اقْتَدِهِ قُلْ" بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَهُوَ غَلَطٌ لَا يَجُوزُ فِي العربية. قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أَيْ جُعْلًا عَلَى الْقُرْآنِ. (إِنْ هُوَ) أَيِ الْقُرْآنُ. (إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) أَيْ هُوَ مَوْعِظَةٌ لِلْخَلْقِ. وَأَضَافَ الْهِدَايَةَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:" فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ" لِوُقُوعِ الْهِدَايَةِ بِهِمْ. وَقَالَ:" ذلِكَ هُدَى اللَّهِ" لأنه الخالق للهداية.

[[سورة الأنعام (٦): آية ٩١]]

وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)


(١). راجع ج ٦ ص ٢٠٩.