للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا أَرْسَلْنَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ. أَيْ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا تَعْرِفُونَهُ بِالصِّدْقِ فَاذْكُرُونِي بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ. وَالْوَقْفُ عَلَى" تَهْتَدُونَ" عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَائِزٌ. قُلْتُ: وَهَذَا اخْتِيَارُ التِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ فِي كِتَابِهِ، أَيْ كَمَا فَعَلْتُ بِكُمْ هَذَا مِنَ الْمِنَنِ الَّتِي عَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ فَاذْكُرُونِي بِالشُّكْرِ أَذْكُرُكُمْ بِالْمَزِيدِ، لِأَنَّ فِي ذِكْرِكُمْ ذَلِكَ شُكْرًا لِي، وَقَدْ وَعَدْتُكُمْ بِالْمَزِيدِ عَلَى الشُّكْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «١» "، فَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ" كَما" هُنَا، وَفِي الْأَنْفَالِ" كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ «٢» " وَفِي آخِرِ الْحِجْرِ" كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ" مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بعده، على ما يأتي بيانه «٣».

[سورة البقرة (٢): الآيات ١٥٢ الى ١٥٣]

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" أَمْرٌ وَجَوَابُهُ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ فَلِذَلِكَ جُزِمَ. وَأَصْلُ الذِّكْرِ التَّنَبُّهُ بِالْقَلْبِ لِلْمَذْكُورِ وَالتَّيَقُّظُ لَهُ. وَسُمِّيَ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ ذِكْرًا لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَى الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ إِطْلَاقُ الذِّكْرِ عَلَى الْقَوْلِ اللِّسَانِيِّ صَارَ هُوَ السَّابِقَ لِلْفَهْمِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: اذْكُرُونِي بِالطَّاعَةِ أَذْكُرْكُمْ بِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَةِ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ أَيْضًا: الذِّكْرُ طَاعَةُ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ وَإِنْ أَكْثَرَ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ وَإِنْ أَقَلَّ صَلَاتَهُ وَصَوْمَهُ وَصَنِيعَهُ لِلْخَيْرِ وَمَنْ عَصَى اللَّهَ فَقَدْ نَسِيَ اللَّهَ وَإِنْ كَثَّرَ صَلَاتَهُ وَصَوْمَهُ وَصَنِيعَهُ لِلْخَيْرِ)، ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ فِي" أَحْكَامِ الْقُرْآنِ" لَهُ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: إِنِّي لَأَعْلَمَ السَّاعَةَ الَّتِيِ يَذْكُرُنَا اللَّهُ فِيهَا، قِيلَ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُهَا؟ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ". وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَذْكُرُ اللَّهَ إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَذْكُرُهُ مُؤْمِنٌ إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا يَذْكُرُهُ كَافِرٌ إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ بعذاب. وسيل أَبُو عُثْمَانَ فَقِيلَ لَهُ: نَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا نَجِدُّ فِي قُلُوبِنَا حَلَاوَةً؟ فَقَالَ: احْمَدُوا اللَّهَ تعالى على أن زين جارحة من جواركم بِطَاعَتِهِ. وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ نسي في جنب ذكره


(١). راجع ج ٩ ص ٣٤٣. [ ..... ]
(٢). راجع ج ٧ ص ٣٦٧.
(٣). راجع ج ١٠ ص ٥٧