الثَّالِثَةُ- فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُفَسِّرَةِ لِمَعْنَى الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبُعْدَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، فَلَوْ كَانَ بِجِوَارِ مَسْجِدٍ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهُ إِلَى الْأَبْعَدِ؟ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَاوِزُ الْمُحْدَثَ إِلَى الْقَدِيمِ. وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ: الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا. وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ هَذَا، وَقَالَ: لَا يَدَعُ مَسْجِدًا قُرْبَهُ وَيَأْتِي غَيْرَهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَفِي تَخَطِّي مَسْجِدِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ قَوْلَانِ. وَخَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ «١» فيه بخمسمائة صلاة"." دِيَارَكُمْ" مَنْصُوبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيِ الْزَمُوا وَ" نَكْتُبُ" جَزْمٌ عَلَى جَوَابِ ذَلِكَ الْأَمْرِ." وكُلَّ" نُصِبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ" أَحْصَيْناهُ" كَأَنَّهُ قَالَ: وأحصينا كل شي أَحْصَيْنَاهُ. وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِالِابْتِدَاءِ إِلَّا أَنَّ نَصْبَهُ أَوْلَى، لِيُعْطَفَ مَا عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ عَلَى مَا عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ. وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ. وَالْإِمَامُ: الْكِتَابُ الْمُقْتَدَى بِهِ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: أَرَادَ صَحَائِفَ الْأَعْمَالِ.
[سورة يس (٣٦): الآيات ١٣ الى ١٩]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧)
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)
(١). يجمع (بالتشديد) من التجمع، أي يصلى فيه الجمعة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute