للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ لَا تَسُرُّهُمْ. وَالشَّمَاتَةُ: السُّرُورُ بِمَا يُصِيبُ أَخَاكَ مِنَ الْمَصَائِبِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ). وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْهَا وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوَذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَدَرْكِ الشَّقَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا مَا الدَّهْرُ جَرَّ عَلَى أُنَاسٍ ... كَلَاكِلَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا

فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا ... سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِيَنَا

وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ" تَشْمَتُ" بِالنَّصْبِ فِي التَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ،" الْأَعْدَاءُ" بِالرَّفْعِ. وَالْمَعْنَى: لَا تَفْعَلْ بِي مَا تَشْمَتُ مِنْ أَجْلِهِ الْأَعْدَاءُ، أَيْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِفِعْلٍ تَفْعَلُهُ أَنْتَ بِي. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا" تَشْمَتْ" بِالْفَتْحِ فِيهِمَا" الْأَعْدَاءَ" بِالنَّصْبِ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: الْمَعْنَى فَلَا تَشْمَتْ بِي أَنْتَ يَا رَبِّ. وَجَازَ هَذَا كَمَا قَالَ:" اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ «١» " وَنَحْوَهُ. ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمُرَادِ فَأَضْمَرَ فِعْلًا نَصَبَ بِهِ الْأَعْدَاءَ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تُشْمِتْ بِيَ، الْأَعْدَاءَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَكَيْتُ عَنْ حُمَيْدٍ:" فَلَا تَشْمِتْ" بِكَسْرِ الْمِيمِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا وَجْهَ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ شَمِتَ وَجَبَ أَنْ يَقُولَ تَشْمَتُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَشْمَتَ وَجَبَ أَنْ يَقُولَ تُشْمِتُ. وَقَوْلُهُ: (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ١٥٠ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الذين عبدوا العجل. (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ «٢») تقدم.

[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٥٢ الى ١٥٣]

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ). الْغَضَبُ مِنَ اللَّهِ الْعُقُوبَةُ. وذلة في الحيوة الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِقَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَقِيلَ: الذلة الجزية.


(١). راجع ج ١ ص ٢٠٧. [ ..... ]
(٢). راجع ج ٣ ص ٤٣١.