وَ (أَهْوى) أَيْ أَسْقَطَ. (فَغَشَّاها مَا غَشَّى) أَيْ أَلْبَسَهَا مَا أَلْبَسَهَا مِنَ الْحِجَارَةِ، قَالَ الله تعالى: (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) «١» وَقِيلَ: إِنَّ الْكِنَايَةَ تَرْجِعُ إِلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمَمِ، أَيْ غَشَّاهَا مِنَ الْعَذَابِ مَا غَشَّاهُمْ، وَأَبْهَمَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أُهْلِكَ بِضَرْبٍ غَيْرِ مَا أُهْلِكَ بِهِ الْآخَرُ. وَقِيلَ: هَذَا تَعْظِيمُ الْأَمْرِ. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) أَيْ فَبِأَيِ نِعَمِ رَبِّكَ تَشُكُّ. وَالْمُخَاطَبَةُ لِلْإِنْسَانِ الْمُكَذِّبِ. وَالْآلَاءُ النِّعَمُ وَاحِدُهَا أَلًى وَإِلًى وَإِلْيٌ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ (تَّمَارَى) بِإِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ في الأخرى والتشديد.
[سورة النجم (٥٣): الآيات ٥٦ الى ٦٢]
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠)
وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يُرِيدُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِيرٌ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْذَرَ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ، فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ أَفْلَحْتُمْ، وَإِلَّا حَلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِمُكَذِّبِي الرُّسُلِ السَّالِفَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُرِيدُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّهُ نَذِيرٌ بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الْكُتُبُ الْأُولَى. وَقِيلَ: أَيْ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَا بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الَّذِينَ هَلَكُوا تَخْوِيفٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِأُولَئِكَ مِنَ النُّذُرِ أَيْ مِثْلَ النُّذُرِ، وَالنُّذُرُ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ كَالنُّكُرِ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، أَيْ هَذَا إِنْذَارٌ لَكُمْ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: هَذَا الَّذِي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ وَقَائِعِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ هُوَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: هَذِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى. وَإِبْراهِيمَ) إِلَى قَوْلِهِ: (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) كُلُّ هذه في صحف إبراهيم وموسى.
(١). راجع ج ١٠ ص ٥٤٢
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute