وربما احتج بغات الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَا قَامَتْ دَلَالَتُهُ فَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ تَقْدِيمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَقَدْ قَامَتْ دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ فِي فُرُوعِ الشَّرْعِ، فَلَيْسَ إِذًا تَقَدُّمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ." وَاتَّقُوا اللَّهَ" يَعْنِي فِي التَّقَدُّمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ." إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ" لقولكم" عَلِيمٌ" بفعلكم.
[[سورة الحجرات (٤٩): آية ٢]]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)
فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ" رَوَى الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمِلْهُ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَسْتَعْمِلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَكَلَّمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. فَقَالَ عُمَرُ «١»: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ" قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَدَّهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا، لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: هُوَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَقَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا
(١). كلمة عمر ساقطة من أب هـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute