للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بِما قَدَّمَ

مِنْ أَمْوَالِهِ لِنَفْسِهِ وَأَخَّرَ

: خَلَّفَ لِلْوَرَثَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُنَبَّأُ بِمَا قَدَّمَ مِنْ فَرْضٍ، وَأَخَّرَ مِنْ فَرْضٍ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَهَذَا الْإِنْبَاءُ يَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ عِنْدَ وَزْنِ الْأَعْمَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ. قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِمَا خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلِمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) وَخَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَبْعٌ يَجْرِي أَجْرُهُنَّ لِلْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ) فَقَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ) نَصٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا يُخْبَرُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَ وَزْنِ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ يُبَشَّرُ بِذَلِكَ فِي قَبْرِهِ. وَدَلَّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ الْحَقُّ: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ «١» أَثْقالِهِمْ [العنكبوت: ١٣] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ «٢» عِلْمٍ [النحل: ٢٥] وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ وَزْنِ الْأَعْمَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الصَّحِيحِ: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شي، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شي (.

[سورة القيامة (٧٥): الآيات ١٤ الى ١٥]

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥)

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)

قَالَ الْأَخْفَشُ: جَعَلَهُ هُوَ الْبَصِيرَةُ، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنْتَ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَصِيرَةٌ

أَيْ شَاهِدٌ، وَهُوَ شُهُودُ جوارحه


(١). راجع ج ١٣ ص ٣٣٠.
(٢). راجع ج ١٠ ص ٩٦.