للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ! إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، لِاسْتِعْجَالِهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. لَا يُقَالُ: إِنَّمَا يُحْرَمُ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُعَذَّبُ فِي النَّارِ أَوْ بِطُولِ مُقَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ، فَأَمَّا إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فلا، لان حرمان شي مِنْ لَذَّاتِ الْجَنَّةِ لِمَنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ نَوْعُ عُقُوبَةٍ وَمُؤَاخَذَةٍ، وَالْجَنَّةُ لَيْسَتْ بِدَارِ عُقُوبَةٍ، وَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِوَجْهٍ. فَإِنَّا نَقُولُ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُحْتَمَلٌ، لَوْلَا مَا جَاءَ مَا يَدْفَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَيَرُدُّهُ مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ). وَالْأَصْلُ التَّمَسُّكُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَرِدَ نَصٌّ يَدْفَعُهُ، بَلْ قَدْ وَرَدَ نَصٌّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ دَاوُدَ السَّرَّاجِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ هُوَ). وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. فَإِنْ كَانَ (وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ هُوَ) مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْغَايَةُ فِي الْبَيَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَلَى ما ذكر فهو أعلم بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَلَمْ يَتُبْ) وَ (مَنِ اسْتَعْمَلَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَكَمَا لَا يَشْتَهِي مَنْزِلَةَ مَنْ هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعُقُوبَةٍ، كَذَلِكَ لَا يَشْتَهِي خَمْرَ الْجَنَّةِ وَلَا حَرِيرَهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوبَةً. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا كُلَّهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ مُسْتَوْفًى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَذَكَرْنَا فِيهَا أَنَّ شَجَرَ الْجَنَّةِ وَثِمَارَهَا يَتَفَتَّقُ عَنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وقد ذكرناه في سورة الكهف «١».

[[سورة الحج (٢٢): آية ٢٤]]

وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) أَيْ أُرْشِدُوا إِلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا في الدنيا، هدوا إلى الشهادة،


(١). راجع ج ١٠ ص ٣٩٧.