من أرض العرب لم يمهلوا، وهو معنى قوله: (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا)، وقرا عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ" لَا يُلَبَّثُونَ" الْبَاءُ مُشَدَّدَةٌ،" خَلْفَكَ" نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو عَمْرٍو، وَمَعْنَاهُ بَعْدَكَ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" خِلافَكَ" وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ:" فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ «١» رَسُولِ اللَّهِ" وَمَعْنَاهُ أَيْضًا بَعْدَكَ، قَالَ الشَّاعِرُ:
عَفَتِ الدِّيَارُ خِلَافَهُمْ فَكَأَنَّمَا ... بَسَطُ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرًا
بَسَطَ الْبَوَاسِطُ، فِي الْمَاوَرْدِيِّ، يُقَالُ: شَطَبَتِ الْمَرْأَةُ الْجَرِيدَ إِذَا شفقة لِتَعْمَلَ مِنْهُ الْحُصْرَ- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ تُلْقِيهِ الشَّاطِبَةُ إِلَى الْمُنَقِّيَةِ. وَقِيلَ:" خَلْفَكَ" بِمَعْنَى بعدك و" خِلافَكَ" بِمَعْنَى مُخَالَفَتِكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ،" إِلَّا قَلِيلًا" فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي لَبِثُوهَا بَعْدَهُ مَا بَيْنَ إِخْرَاجِهِمْ لَهُ إِلَى قَتْلِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ قُرَيْشٌ الثَّانِي- مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَجَلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذكر أنهم اليهود
[[سورة الإسراء (١٧): آية ٧٧]]
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) أَيْ يُعَذَّبُونَ كَسُنَّةِ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا، فَهُوَ نُصِبَ بِإِضْمَارِ يُعَذَّبُونَ، فَلَمَّا سَقَطَ الْخَافِضُ عَمِلَ الْفِعْلُ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقِيلَ: انْتَصَبَ عَلَى مَعْنَى سَنَنَّا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا، وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْكَافِ، التَّقْدِيرُ لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا كَسُنَّةِ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا، فَلَا يُوقَفُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى قَوْلِهِ:" إِلَّا قَلِيلًا" ويقف عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي." قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا" وَقْفٌ حَسَنٌ، (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا) أَيْ لَا خلف في وعدها.
[[سورة الإسراء (١٧): آية ٧٨]]
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨)
(١). راجع ج ٨ ص ٢١٦
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute